لم يكن البعض يتصور إن نهاية صدام حسين تعني نهاية العراق الواحد الموحد، العراق القوي الذي يخيف الإعداء حتى مع ضعف إمكانيانه المادية والتقنية نتيجة الحصار الطويل والعدوان المستمر من قبل قوى الشر والظلام. ذلك العراق العظيم الذي إذا قام رئيسه وقف القادة العرب إحتراما له ولمكانته ولقوته ولشعورهم بأنه درعم الرصين، عندما الوقت يحين، إنه الحارس الحقيقي ليس للبوابة الشرقية فحسب وإنما الغربية والشمالية والجنوبية.
لم يك أحد يتوقع إن تكون خاتمة صدام هي فاتحة الفرس بالسيطرة والهيمنة على مقدرات الأمة، وهل كان الخامنئي يجرأ على تهديد البحرين والإمارات ودول رغم موقفهم المخزي مع العراق؟ يا ويله ويا سواد ليله إن فعل! وهل كان الخامنئي أو احد من أقزامه يستطيع التطاول على العرب قادة وشعوبا بغض النظر عن موقف العراق منهم، أو موقفهم من العراق؟ هل كان أحد من عفاريت الخامنئي يجرأ على التدخل في اليمن ونصرة شراذم الحوثيين وتمردهم على السلطة المركزية؟ وهل يجرأ فم فارسي كريه بأن يخاطب العراقيين بكل إحتقار قائلا " اهل العراق عبيد لنا ولهم الفخر اذ اصبحوا عبيد للفرس".
وهل كان الجنرال سليماني يجرأ بأن يطأ الدعامة الحدودية العراقية؟ هل كان نظام الملالي يحلم بأن يستولِ على برميل نفط عراقي وليس بئرا بذريعة الآبار المشتركة؟ هل يجرأ وزير عراقي على تسمية العربي ب الفارسي؟ هل كان أحد من العراقيين يجرأ بأن يحتفظ بصورة الخميني ليس في العلن، وإنما في المرافق الصحية؟ هل يجرأ أي من أصنام النجف الأربعة أن يحشر انفه المزكزم في الشأن العراقي الداخلي؟ هل كان إعلامي واحد يجرأ في التفوه بكلمة سنة أو شيعة في وسائل الإعلام كافة؟
أيها الشهيد البطل! العراق اليوم هو ليس عراق ما قبل عام 2003 ، والشعب العراقي ليس هو شعب ما قبل العزو، كل شيء تغير، الحدود، السيادة، المواطنة، والإستقلال، الثروة، الإقتصاد، الثقافة، النفوس، التآلف والأخوة والجيرة.
نقولها بأسف وحسرة، ولكن هذا هو الواقع ولا مفر منه، لقد تيبست جذور شجرة غيرة الكثير من العراقيين، وذبلت غصون وطنيتهم، وعصفت رياح المصالح الذاتية بأوراقهم اليابسة فتساقطت تحت البسطال الامريكي والخف الإيراني. فقد روضهم المحتل ومن بعدهم المالكي والعبادي كما يروض أصحاب السيرك الحيوانات المفترسة، ففقدوا بريقهم وقوتهم وبأسهم وصاروا مثل حيونات أليفة يرعاها مختار العصر وخلفه من العملاء.
في عراق اليوم، عراق الخميني والخامنئي والجنرال سليماني تغيرت المقاييس والوسائل والأهداف كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدأت تتخذ اتجاهات متصادمة كأمواج البحر وتتكسر على سواحل الذاكرة العراقية المصابة بالذهول مما يحدث! فقد بلغ الجزر النهضوي والتنموي والتطور والازدهار والرفاه الاجتماعي والرقي الحضاري والإنساني أقصى جَزر يمكن أن يتصوره الفرد، وتشابكت وتداخلت المفاهيم وحرفت الشعارات بشكل غريب، صار شعارهم الجديد (الصمت يصنع النصر) وليس (الصمود يصنع النصر). شعارات جامدة ومشاعر جامدة ووطنية جامدة. بدلا من أن ينهضوا بقوة من عثرتهم، ويكسروا القيود التي تكبل أياديهم ويحطموا معاقل الفساد، ناموا بلا حياء ولا غيرة، وأوكلوا المهمة لمن يتعجلون فرجه منذ (12)، كإنما الأمم المتطورة نهضت بمهديها المنتظر وليس بإرادة شعبها وصحوته وثقافته ووعيه!
الجمود شمل الصناعة والزراعة والتجارة والثقافة ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمختلط، جميعها تجمدت في مجمدة الاحتلالين الأمريكي والإيراني، وتعطلت الحياة بمختلف قطاعاتها وضاعت المعايير الأخلاقية والأدبية والاجتماعية. وذُبح الدين من الوريد إلى الوريد بخناجر المراجع الدينية دون رحمة وضمير، وتم إصطايد العلماء والأطباء والمهندسين والقادة والطيارين وبقية النخب الاجتماعية بشباك متينة ومحكمة من صنع أمريكي وإسرائيلي وإيراني لا يفلت منها صيد. أفرغوا العراق من الكفاءات وأحلوا عملاء وفاسدين ومزورين ومرتشين وفضائيين بدلا عنهم، إنها صناعة الخراب! لقد صح وصف دافيد برات للمعارضين العراقيين في الخارج ـ أي حكام اليوم ـ بـأنهم " الاوغاد الذين يريد بوش ان يحلهم محل صدام حسين". (الصنداي هيرالد/ في 22ايلول 2002).
في العراق المحتل إنتهى جيش العقيدة الوطنية، ليشكل على أطلاله جيش الطائفة الحاكمة، وتحولت مسؤولية الجيش من حماية الحدود والأمن الخارجي إلى اللطم على الحسين وتنظيم مراسيم العزاء التي لا تنتهِ إلا بنهاية السنة، وقمع التظاهرات السلمية، وقصف المدنيين بالطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة. وقمع المواطن ونهبه خلال المداهمات وحملات التفتيش التي تطال أهل السنة فقط! وسب الصحابة وأمهات المؤمنين وكتابة الألفاظ البذيئة على الدبابات والناقلات المدرعة. جيش الحكومة هو جيش الفضائيات، ووزيره واحد من رواد الفضاء، وقادته طاقم المركبة الفضائية. إنه جيش العلقمي كما يطلق على أحد الويته. هذا الجيش المنحط وطنيا وأخلاقيا ومهنيا يضم المئات من الفرقاء الركن والألوية والعمداء بحيث يتفوق على الجيشين الأمريكي والروسي بهذه الرتب العالية، لكنهم جميعا حلقة في إصبع جنرال إيراني، كان يقاتل العراقيين في القادسية الثانية.
في العراق الجديد صار الجاهل عالما بشهادة مزورة، والشرطي قائدا بتزكية حزبية، واللص وزيرا بوحي أجنبي، والأجنبي نائبا في البرلمان، والمجرم قاضيا، والغريب مواطنا، والمواطن غريبا، وأصبح العبد سيدا، والسيد عبدا، وتحول رجال الدين إلى أبالسة ينافسون إبليس مهنته ومهمته ومهارته، إنه العراق الجديد، جديدا بمفاهيمه ومقاييسه ونخبه الجديدة.
فهل يلام الشاعر احمد مطر وهو يسخط عن وطنه" تف على هذا الوطن وألف تف"؟
خلاصة القول أيها الشهيد البطل: عراق اليوم لا قيمة له البته وعلى كل الصعد! إنه عبارة عن وطن منوم وشعب مكبسل!
هذه هي الحقيقة أيها الشهيد البطل، بموتك إنتهى العراق، وشُلت الأمة من المحيط الى العربي والله يعلم كم سنة ضوئية تحتاج لتنهض من سباتها.
كلمة الختام. ألا لعنة الله كل من كانت له يد طويلة أو قصيرة، علنا أو سرا، فعلا او نية، عملا أو قولا، فيما وصل إليه العراق اليوم.