الصــــــــــبر على البــــــــــلاء ~~~~~~~~~~~~~~~~~
البــــلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة ..
فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ قال تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 2,3].. فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه .. فيهون عليه الأمر ومنهم من سيجزع ويتسخَّط
فيزداد الأمر سوءًا عليه .
وهذه رســــالة إلى كل مُبتلى.. وكل الناس مُبتلى ومُصاب ..
هوِّن على نفسك .. فمهما كانت شدة البلاء سيأتي الفرج من الله لا محالة .. كان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء ..قال "سحابة صيف ثم تنقشع" [عدة الصابرين وذخيرةالشاكرين(19:2)].
فكيــــف تنــــال هذا الفضل العظيــــم وتصير من عبــــاد الله الصــابريـــن؟؟ اعلم إنك لن تتحصل على الصبر إلا بالتدريب .. قال رسول الله " من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر"[متفق عليه] وعلى قدر استعدادك .. يكن صبرك على المشاكل والإبتلاءات
التي تعتريك في الطريق
أولاً: معرفة الحكمة من البـــلاء .. فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب .. فعليك أن تفهم لماذا يبتليك الله تعالى . 1) البلاء في حق المؤمن كفارة وطهور .. فقد نُبتلي بذنوبنا ومعاصينا؛ كي يُكفِّرها الله عزَّ وجلَّ عنا فلا نقابله بها
ويوم القيامة ستتمنى لو أنه قد أعطاك المزيد من الإبتلاءات في الدنيـــا .. عن النبي قال "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم
حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه"[متفق عليه] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول "ما ابتلى الله عبدًا ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عزَّ وجلَّ أو يدعو غير الله في كشفه" [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3401)] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" [رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الجامع (5815)] وعن سفيان، قال: "ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة" [سير أعلام النبلاء (13:306)].
2) البـــلاء دليل حب الله للعبد .. والمُحِب لا يتضجر من فعل حبيبه أبدًا .. قال رسول الله "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم ، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" [رواه أحمد وصححه الألباني] وقال رسول الله "مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه" [صحيح البخاري ].
3) البـــلاء يُبلغك المنازل العلا .. برفقة النبي محمد .. فالعبد تكون له عند الله المنزلة .. فما يبلغها بعمل
فما يزال الله يبتليه بما يكره .. حتى يبلغه إياها ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل .. فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها" [رواه أبو يعلى وابن حبان وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (3408)]. كان شُريح يقول "إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها
وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للإسترجاع لما أرجو من الثواب .. وأحمد إذ لم يجعلها في ديني" [سير أعلام النبلاء (7:112)] . فلا تستعجب إن رأيت أعداء الله يُمكَّن لهم في الأرض.. بينما أهل الإيمان مُستضعفون في كل مكان ..فقد قال رسول الله "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله .. ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية التي لايصيبها شيء
حتى يكون انجعافها مرة واحدة"[متفق عليه]
وهكذا يكون حال المؤمن ما بين الإبتلاءات ونزول الرحمات حتى يُلاقي الله عزَّ وجلَّ .. أما الكافر فإذا أخذه لم يفلته .. وكم في البلية من نعمةٍ خفية .. وليس معنى هذا أن تتمنى البـــلاء ..ولكن عليك أن تسأل الله العفو والعافيــة.
ثانيًا: تذكَّر أحوال الأشد منك بلاءً .. فمن يرى بلاء غيره .. يهون عليه بلائه ..
قال سلام بن أبى مطيع: دخلت على مريض أعوده.. فإذا هو يئن ..
فقلت له: أذكر المطروحين على الطريق .. أذكر الذين لا مأوى لهم
ولا لهم من يخدمهم .. قال : ثم دخلت عليه بعد ذلك .. فسمعته يقول لنفسه:
أذكري المطروحين في الطريق.. أذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه. [عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (22:27)] وتذكَّر لطف الله تعالى عليك .. مات ابن لعروة بن الزبير وكان قد بُترت
ساقه .. فقال رضي الله عنه "اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت .. وإن كنت أخذت فقد أبقيت .. أخذت عضوًا وأبقيت أعضاء ..وأخذت إبناً وأبقيت أبناء" [الكبائر للذهبي (1:183)].
ثالثًا: تلقى البـــلاء بالرضا بقضــاء الله وقدره .. وهذا من أعظم ما يُعين العبد على المصيبة .. قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد: 22] فالبلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بخيـــر ..
قال ابن مسعود: "لأن أعض على جمرة أو أن أقبض عليها حتى تبرد فى
يدي أحب إلى من أن أقول لشيءٍ قضاه الله: ليته لم يكن" [طريق الهجرتين وباب السعادتين (16:35)]. عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام دينً وبمحمد رسولا" [رواه مسلم] .. فالرضا بقضاء الله يورث حلاوة الإيمان التي تهوِّن من أثر الشوك تحت الأقدام.
رابعًا: الجزع وعدم الرضا لا ينفعا .. فالتحسر على المفقود لا يأتي به .. كان يحيي بن معاذ يقول "يا ابن آدم،
ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟! وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟!" [صفة الصفوة (2:295)].
خامسًا: معرفة طبيعة الدنيـــا وأنها دار عنــاء .. فالدنيـــا بمثابة القنطرة التي تعبر بها إلى الدار الآخرة، فلا تحزن على
ما فاتك فيها ..
قال ابن الجوزي"أما بعد؛ فإني رأيت عموم الناس ينزعجون لنزول البلاء
انزعاجًا يزيد عن الحد ..كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت ! ..
وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟ والكبير إلا الهرم ؟ والموجود سوى العدم ؟!" [تسلية أهل المصائب (1:71)] وقال أيضًا "ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تَعْتَوِرْ فيها الأمراضُ والأكدار..
ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار .. ولو خُلِقت الدنيا للذة لم يكن حظّ للمؤمن منها" [موسوعة فقه الابتلاء (4:129)].