من الملاحظ ان اخبار التصدي لخطر الدولة الاسلامية طغت خلال الاسابيع القليلة الماضية على عناوين الصحف والمناقشات السياسية في الشرق الاوسط. لكن اذا كان بالإمكان فهم سبب القلق الناجم عن حالة الاهتياج التي اثارها الجهاديون في المنطقة، الا ان هذه المسألة حجبت عن الانظار تقريبا ذلك التحوّل الاستراتيجي الكبير الذي يشهده الآن محور شرق اوسطي مهم آخر هو اليمن. فمن المؤكد ان لاستيلاء الحوثيين، الذين هم اقلية شيعية، على صنعاء في منتصف سبتمبر مضامين خطيرة لجيران اليمن ولحرب امريكا على الارهاب. بل وتبدو احتمالات التصعيد واردة جدا، فقد دعا زعيم الحوثيين عبدالمالك الحوثي في الثامن من اكتوبر للقيام بتظاهرات ومسيرات جماهيرية ضد ما وصفه بالتدخل الخارجي في سياسة البلاد. غير ان التطورات الاخيرة في صنعاء تمثل، وهذا هو الاهم، انتصارا كبيرا لإيران في حين ان قرار الحوثيين ربط مصيرهم بمكائد طهران الاقليمية يحمل معه خطر تمزق اليمن ودفع البلاد الى حالة فوضى عارمة. والحقيقة ان الكثير من اليمنيين يعتقدون منذ سنوات ان ايران تقدم المال وتوفر التدريب للحوثيين الذين يشكلون ما نسبته %30 من سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليون نسمة. كما يتهم المسؤولون اليمنيون، بدءا من الرئيس عبد ربه منصور هادي والى قادة الاحزاب السياسية في البلاد، ايران بالتدخل في شؤونهم. ويبدو ان المسؤولين الايرانيين فرحون جدا ويشجعون مثل هذه الشكوك، فقد تبجح علي رضا ركاني ممثل طهران في البرلمان الايراني قائلا: اصبحت صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي تسقط بيد ايران.
الموت لأمريكا
ويُذكر ان الحوثيين دخلوا صنعاء في اواسط سبتمبر على موجة استياء شعبي من ارتفاع اسعار الوقود وتفشي الفساد، ثم تحركوا سريعا بعد ذلك واحتلوا الساحات العامة واخذوا بإطلاق شعارات «الموت لأمريكا»، «الموت لليهود» ودعوا لتغيير قيادة البلاد وتخفيض اسعار الوقود. ثم وفي تحرك مفاجئ في الحادي والعشرين من سبتمبر، أي بعد يوم واحد من اعلان جمال بن عمر ممثل الامم المتحدة في اليمن، عن التوصل لاتفاق لحل الازمة، سيطر الحوثيون على مباني الوزارات والقواعد العسكرية ومباني الحكومة والمطار وسط صمت مطبق من جانب الجيش والشرطة. وبذا يكون قد تم عمليا تسليم صنعاء للحوثيين بطريقة تتماثل مع رد العراق على هجوم الدولة الاسلامية في يونيو الماضي. ولما قدّم رئيس الحكومة استقالته متهما الرئيس منصور هادي باحتكار السلطة، رأى الحوثيون في ذلك مبرراً لطلبهم الرئيسي الذي دعوا فيه لاستقالة حكومته ثم جلسوا معه ومع قادة احزاب سياسية اخرى لاملاء شروطهم بعد ان بات توازن السلطة في صالحهم. بالطبع، عمد الحوثيون بعد ذلك للتوقيع على اتفاق سلام ومشاركة وطنية كان قد تم التفاوض عليه بإشراف بن عمر، لكن يبدو ان ايران حصلت على افضل صفقة منه. فقد دعا لتسمية رئيس حكومة جديد سريعا وتشكيل حكومة جديدة وتعيين مستشارين اثنين للرئاسة يكون لهما دور فاعل في اختيار اعضائها ومن ثم توزيع بقية الحقائب الوزارية على بقية الاحزاب. لكن عندما رشّح الرئيس شخصاً لتولي رئاسة الحكومة، رفض الحوثيون خياره هذا لتستمر بذلك الازمة السياسية في البلاد. وبرر الحوثيون رفضهم على الرغم من ان الرئيس رضخ لضغط امريكي خلال عملية اختيار اعضاء الحكومة الجدد. لكن اذا كان هذا النوع من الابتزاز السياسي يبدو مألوفا، فإن السبب في هذا يعود لانتهاج الحوثيين نفس طريقة حزب الله في العمل السياسي، وذلك حينما سيطر هذا الحزب الذي تدعمه ايران على بيروت عام 2008، واستعمل السلاح ضد خصومه السياسيين ثم جلس معهم للتوقيع على اتفاق جديد للشراكة على السلطة وتشكيل حكومة جديدة تعطي حزب الشيعة صلاحية نقض قراراتها. واليوم، وبعد ست سنوات من ذلك، يمنع حزب الله من خلال سيطرته على لبنان اختيار رئيس جديد للبلاد ليثير بذلك حالة فراغ سياسي خطيرة في البلاد. ويبدو ان هناك العديد من الاتصالات بين الحزب والحوثيين، فقد اتهم الرئيس هادي خلال لقاء مع صحيفة «الحياة» حزب الله بتقديم النصح والتدريب للحوثيين، وكشف عن احتجاز حكومته لخمسة اعضاء من الحزب. ومن الواضح ان هذه التطورات اثارت منظمة «القاعدة في شبه جزيرة العرب» فقد اصدرت في الخامس والعشرين من سبتمبر بيانا اتهمت فيه الحوثيين بإكمال «المشروع الفارسي» في اليمن، ودعت السُنة لحمل السلاح بل وبدأت هذه المنظمة بالفعل مهاجمة الحوثيين في مختلف مناطق اليمن الامر الذي يشكل تهديداً بإذكاء لهيب الصراع الطائفي المستعر اساسا من قبل.