بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
حسن الظن بالله ثمن الجنة :
أيها الأخوة الكرام: حسن الظن بالله ثمن الجنة, الإنسان ينبغي أن يؤمن بالله, لكن الذي ينبغي أن يفعله أيضاً أن يحسن الظن بالله, فكم من مؤمن بالله, مؤمن بوجوده, لا يحسن الظن به, مؤمن بوجوده, ليس مؤمناً بأسمائه الحسنى, وصفاته الفضلى.
أحياناً الإنسان يجد شخصاً أمامه, يسأل عن اسمه, لا يكتفي بأن يأخذ اسمه, لا بد من أن يعرف حرفته, ثقافته, اختصاصه, أخلاقه.
من لوازم معرفة الرجل أن تعرف أخلاقه, وأن تعرف اختصاصه, وأن تعرف ثقافته, فلذلك الإنسان مطالب أن يعرف الله عز وجل بأسمائه الحسنى, وصفاته الفضلى.
فهناك كلمات يطلقها العامة, هذه الكلمات تدل على جهلهم بالله عز وجل, يقول لك أحدهم: إن الله خلق الناس ليعذبهم, يقول لك: سبحان الله! لا يوجد أحد مرتاحاً؛ الله عز وجل خلق الناس ليرحمهم, خلق الناس ليسعدهم, خلقهم لجنة عرضها السموات والأرض, فالإنسان إذا فهم بعض المعاني التي لا تليق بالله عز وجل يكون قد أساء الظن به, وحسن الظن بالله ثمن الجنة, ثمن دخولك الجنة أن تحسن الظن بالله عز وجل: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [سورة آل عمران الآية:154]
الإيمان بكمال الله و وجود الله و وحدانية الله :
الذي يظن أن الله أجبره على المعصية, ثم قدر عليه النار إلى أبد الآبدين, هذا الإنسان يسيء الظن بالله عز وجل, إذا تكلم هذا الكلام أبعد الخلق عن ربهم, نفرهم منه, أعطى صورة لا تليق بالله عز وجل, أنه خلقهم وقدّر عليه المعصية والكفر, ثم أدخله النار إلى أبد الآبدين: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
***
هؤلاء الجبريون وما أكثرهم قد تستمع إلى آلاف الكلمات من قبل المسلمين بمعنى الجبر أن الله عز وجل أجبر الناس على أفعالهم, مع أن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف الآية:28]
ويقول : ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [سورة الأنعام الآية:148]
الإنسان إذا آمن أن لهذا الكون خالقاً, ليس هذا هو الإيمان المنجي, لا بد من أن تؤمن بوجود الله, ولا بد من أن تؤمن بكمال الله, ولا بد من أن تؤمن بوحدانية الله, أي الأسماء الحسنى يمكن أن تضغط إلى ثلاث كلمات؛ موجود, واحد, كامل.
على الإنسان ألا يسيء الظن بالله عز وجل :
في درس الجمعة ذكرت أن الإنسان يتقي أسماء الجلال بأسماء الجمال, أسماء الجلال؛ الله عز وجل مهيمن, والله عز وجل قهار, الله عز وجل جبار, منتقم, هذه أسماء الجلال.
والإنسان أحياناً حينما يرى ظالماً استشرى ظلمه, ثم ينتقم الله منه, يشعر براحة ما بعدها راحة, هذا الانتقام هو عين الكمال.
فالإنسان لماذا يستقيم على أمر الله؟ يتقي أسماء الجلال, ويرجو أسماء الجمال؛ الله رحيم, الله عز وجل لطيف, الله حكيم, قريب، سميع، مجيب, هذه أسماء الجمال, فلا ملجأ من الله إلا إليه, نفر منه إليه, نتقي أسماء جلاله, ونرجو أسماء جماله.
فالحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول الله عز وجل: (( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي...)) [متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
لذلك نحن بعلاقاتنا الاجتماعية نسمع قصصاً كثيرة جداً, المشكلة أن معظم هذه القصص نستمع إلى آخر فصل فيها, فلان مثلاً انتحر, فلان فلس, فلان مرض, فلان صار معه حادث, آلاف القصص نستمع إلى الفصل الأخير, والفصل الأخير يدعو إلى التساؤل, يدعو إلى الحيرة, يدعو إلى الاستفهام, أما لو أتيح لنا أن نعرف هذه القصص من أول فصل فيها حتى آخر فصل, لوجدنا حكمة ما بعدها حكمة, ورحمة ما بعدها رحمة, وعدلاً ما بعده عدل.
فالإنسان لئلا يسيء الظن بالله, ولئلا يحمل الناس على أن يسيئوا الظن بالله, لا ينبغي أن يذكر قصة لا يعرف فصلها الأول والأخير, إن عرف فصلها الأول والأخير يعرف أن حكمة الله مطلقة, وعدله مطلق.
المصائب التي يسوقها الله للخلق هي مصائب تربية وعلاج وليست مصائب قسوة وانتقام:
العبرة أنه عليك ألا تكون سبباً ليسيء إنسان الظن بالله عز وجل, بيّن له حكمة كل شيء, بيّن له حكمة الأوامر, بيّن له علة الخلق, بيّن له أن هذه المصائب التي يسوقها الله عز وجل للخلق إنما هي مصائب تربية وعلاج وليست مصائب قسوة وانتقام: (( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي...)) [متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)) [مسلم عن جابر]
لذلك الناس هناك مقرِّب وهناك مبعد, هناك منفر وهناك محبب، فإذا رويت قصة دون أن تعرف فصولها, ربما تركت انطباعاً عند هذا الإنسان, أن الله عز وجل قسا عليك, والله عز وجل على أنه مستقيم حرمه الدنيا, وفلان على أنه فاجر أعطاه الدنيا, فهذا كله يحتاج إلى تعليم, وإلى تدريس.
الطريق الآمن أن تعرف الله من خلال خلقه :
لذلك الإنسان إذا بدأ بمعرفة الله من خلال خلقه أأمن وأسلم له من أن يتعرف إلى الله من خلال أفعاله, اجعل معرفة الله من خلال أفعاله, في المرحلة الثالثة اعرف الله من قرآنه, من كلامه, اعرف الله من خلقه, إن عرفت الله من خلقه, ومن كلامه, يمكنك أن تعرف الله من أفعاله, عندك الإمكانية أن تفسر أفعاله, أما أن تبدأ بأفعاله فقد تجد مجاعات, قد تجد شعوباً مقهورة, وشعوباً ظالمة, قد تجد مصائب كبيرة جداً؛ من زلازل, من فيضانات, من براكين, من إتلاف محاصيل.
هناك قصص من دون تعليل كثيرة جداً, هذه إن رويتها دون أن تعللها تكون قد أسأت الظن بالله عز وجل.
العبرة أن يمشي الإنسان في الطريق الآمن, تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا, تمشي في الطريق الآمن, أن تعرف الله من خلال خلقه: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [سورة آل عمران الآية:190-191]