أما
عرقه صلى الله عليه وسلم ، فحدِّث عن طيبه ولا حرج فقد كان ينام ظهرا
{يقيل} عند السيدة أم سليم
{أم سيدنا أنس بن مالك} وكان كثير العرق
صلى الله عليه وسلم ، فكانت تحضر مناديلاً وتجمع العرق في المناديل ، وتعصره في زجاجة حتى تمتلئ الزجاجة ، وتأتيها النساء المسلمات فتأخذ كل واحدة منهن قطرة من
عرقه :
فَاسْتَيْقَظَ
رَسُولُ اللهِ في يَوْمٍ وَهِيَ تَمْسَحُ بِالمِنْدِيلِ ، فقال
{مَا هَذَا يَا أمَّ سَلِيم ؟ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ نِسَاءُ الأنْصَارِ جِئْنَ بِالمَنَادِيلِ يَطْلُبْنَ عَرَقكَ ، فَقَالَ لهَا : سَلِيهِنَّ مَاذَا يَصْنَعْنَ بِهِ ؟ ، فَسَألَتَهُنَّ : فَقُلْنَّ : نُصْلِحُ بِهِ طِيبَنَا}[1]
أي نضع منه علي طيبنا ، فيصبح من أصلح الطِّيب
ولم يكن ذلك فقط , بل كان
صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم علي أحد تظل رائحته الشريفة في يده دهرا , وذلك لأن رائحته
صلى الله عليه وسلم رائحة خاصة غير كل الروائح التي تصنع في أمريكا أو باريس أو غير ذلك ، وإنما صنعت في الجنَّة ، في جنَّة الخلد ونحن سنكون كذلك إن شاء
الله ، فنحن بعدما ندخل الجنَّة ، والجنَّة ليس بها دورات مياه ولا فيها بول ولا غائط ، فكيف تخرج فضلات الأكل ؟ قال
صلى الله عليه وسلم في معنى ذلك
{سَتَخْرُجُ عَليَ هَيْئَهِ عَرَقٍ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ المِسْكِ}[2]
وهذا ما سيحدث لنا جميعا في الجنَّة ، لكن هذه الخاصية كانت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة في الدنيا ، فكان
عرقه أطيب من رائحة المسك ، لذلك {كَانَ إذا سَلَّمَ عَليَ أحَدٍ مِنْهُم تَظَلُّ الرَّائِحَةُ في يَدِهِ أسْبُوعَا ، بَلْ إنَّ أحَدَهُم كَانَ إذَا سَئَلَ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ يَجِدْهُ ، يَتَعَرَّفُ عَلَيَ مَكَانِهِ مِنْ رَائِحَتِهِ ، فَحَيْثُ سَارَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَتْ الرَّائِحَةُ تَمْلاءُ الطَّرِيقَ ، فَيَذْهُبُ إلَيْهِ
صلى الله عليه وسلم}[3]
وفي الحقيقة يا إخواني : أوصاف
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسية ، والمعنوية ، لا يستطيع أحد أن ينعتها ، أو يصفها علي حقيقتها حتى أن رجلا من كبار التابعين ، ورسول
الله قد بشر به وقال لهم في شأنه
{يَأتِيكُمْ مِنْ بَعْدِي خَيْرُ التَّابِعِينَ أوَيْسٌ القُرَني ، رَجُلٌ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِ ، مَنَعَهُ مِنَ المَجِئ إليَّ بِرُّهُ بِأمِّهِ - فكان كلما يقول لها أذهب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له : لمن تتركني وأنا وحيدة ، وليس لي غيرك ، فيسلِّم أمره إلي الله ويبعث السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله قال عنه خير التابعين - فَإذَا رَأيْتُمُوهُ ، فَبَلِّغُوهُ سَلامِيَ وَسَلُوهُ أنُ يَدْعَوَ لكُمْ ، فَإنَّهُ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ ، وَيَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ أكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضُر}[4]
وكانا أكبر قبليتين في الجزيرة العربية ،
فسيدنا عمر كان في كل سنة ينادي في موسم الحج : يا أهل اليمن أيوجد بينكم أويس ؟ يقولون : لا ، إلي أن جاء في عام ، وقالوا : يوجد معنا راعي غنم أسمه أويس ، فلم يعرِّفهم أنه يقصده ، وذهب إليه ومعه
سيدنا علي ، فسلما
عليه وبلغَّاه سلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالا له : أدع لنا ، قال لهم : هل رأيتم
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، قالوا : نعم ، قال لهم : ما وصفه ؟ ، فوصفوه له الأوصاف التي سمعناها الآن ، فقال لهم : إنكم لم تروه علي حقيقته
فاحتاروا ، حتى أن
سيدنا عمر سأل كبار الصحابة عن هذا الأمر ، فتنبَّهت
السيدة عائشة وقالت
{لَقَدْ رَأيْتُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَقَد كُنْتُ يَوْمَا أخِيطُ ثَوْبَاً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْطَفَأ المِصْبَاحُ ، وَوَقَعَتْ الإبْرَةُ ، فَدَخََلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ فَخَرَجَ نُورٌ مٍنُ وَجْهِهِ أضَاءَ مِنْ السَّمَاءِ إلََيَ الأرْضِ ، رَأيْتُ عَليَ ضَوْئِهِ الإبْرِةَ ، وَوَضَعْتُ فِيهَا الخَيْطَ}[5]
فقد رأت
رضي الله عنها ، قبساً من النور الذي أودعه
الله سبحانه و تعالى هذا النبي الكريم
صلوات الله وسلامه عليه