إن المؤمن عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله وعليه أن يشكره وعليه أن يستعين بنعمه وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} آل عمران191
أو يدخل في قول الله {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} النور37
فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير
فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره في ذكر الله وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ{27} يس26 - 27
والذكر ليس له شروط فلا يحتاج إلى وضوء ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا بل يجوز في الشارع ويجوز في السوق ويجوز في العمل ويصح في البيت ويصح على وضوء وعلى غير وضوء بل يجوز حتى على الجنابة
فالجنب لا يصلي ولا يقرأ كتاب الله ولا يمس المصحف ولكنه يجوز له أن يذكر الله فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} طه132
وكذلك في الآخرة فالسابقون في هناء وسرور من الطاعات والقربات والنوافل وعمل الصالحات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله[1]
والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين
قال صلى الله عليه وسلم {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ}[2]
وقال أيضاً {سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ قالوا: يا رسول الله وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً}[3]
وقال صلى الله عليه وسلم {أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ}[4]
وفي هذا الشأن يقول الله {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} الأعراف205
فيصير الإنسان عنده عقيدة في الله يعلم أنه يطلع عليه ويعلم سره وظاهره ونجواه ويعلم أنه يعلم كل حركة من الحركات الباطنة في داخله فإذا سار الإنسان بهذه النية انظروا معي ماذا يكون حاله في أرض الله؟ هل ينصب على جاره وهو يعلم أن الله يعلم سره ونجواه ويسمع كلامه؟
هل يغش أحد من خلق الله وهو يعلم في الحقيقة أنه يتعامل مع الله وهو الذي سيحاسبه بعد مفارقة هذه الحياة؟ هل يفعل شيئاً بجارحة من جوارحه يغضب الله وهو يعلم أن الله يقول في قرآنه {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة105
إذا فلا يستطيع أن يعصي الله لأنه يعلم تمام العلم أن الله يراه في حركاته وفي سكناته ويعلم سره ونجواه ويعلم كل أنفاسه
متى يسرق السارق؟ إذا نسى مراقبة الله ومتى يغش الغاش؟ إذا نسى أن الله مطلع على عمله وسيحاسبه يوم لقائه متى يغمز الغامز بعينه أو بلسانه أو بشفتيه أو يحرك يديه استهزاءاً برجل من رجال الله أو عبد من عبيد الله إذا نسى أن الله يطلع على عمله ويراه وسيحاسبه على ذلك ونسى أنه قال {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} الحجرات11
لقد امتلأت قلوب المؤمنين بمراقبة الله وأصبحوا على أمرين إما رغبة في الله وثواب الله أو خوفاً من عقابه وخشية من لقائه يوم لقاء الله فأصبح مجتمعنا مجتمعاً إيمانياً يقول فيه الله {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الفتح29
والتسبيح ذكر والتهليل ذكر وتلاوة القرآن ذكر والصلاة على النبي ذكر واستحضار عظمة الله ذكر وكل هذا ذكر الله {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} الأحزاب41
لا تصغروا أنفسكم ولا تسودوا صحائف أعمالكم باللغو وضياع الوقت فقد قال صلى الله عليه وسلم
[1] رواه الترمذي [2] رواه الطبراني والبخاري في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه عن أبي هريرة [3] رواه الطبراني والترمذي ومسلم عن أبي الدرداء وأبي هريرة [3] رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه والترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء