فسر النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثه لنا ولم يترك الأمر لنا لأننا إذا فكرنا فيه بعقولنا قد نخطئ وقد نصيب فقال في الحديث الكريم {فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ}[1]
ضم كل المؤمنين المستمسكين بطاعة الله يصلحون ويصلحون في أنفسهم ولا شأن لهم بمن حولهم لا يتغيرون ولا يتحولون لإغراءات الدنيا ولا زهرتها ولا فتنها وإن كان بهم خصاصة وإن كان بهم فاقة وإن كان بهم حاجة ثقة في موعود الله {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق3
يكفيهم الله كل هم ويرفع عنهم كل غم ويبارك لهم في القليل ليقوم مقام الكثير فإن الإنسان لو تخلت عنه البركة من الله وملك كل كنوز الدنيا لا يستطيع أن يغطي نفقاته في هذه الحياة ولو بارك الله في القليل يكفي ويفيض
لأن الله إذا بارك في الرزق القليل صحح الأجسام فحماها من الأمراض وصحح عقول الأولاد فجعلها في غير احتياج إلى دروس ومدرسين وجعلهم بررة وأتقياء بوالديهم في الدنيا ويلحقون بهم في يوم الدين
يبارك الله في كل ما يقتنيه المرء إن كان ملابس أو أدوات أو مقتنيات فالتي لها عمر افتراضي في سنوات معدودة تعيش آمادا غير محدودة إذا باركتها بركة السماء قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96
لم يقل الله فتحنا عليهم خيرات الخيرات كما هي لكن تزيد بالبركة من عند الله وهذا كان جل اعتماد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين وكان هذا أيضاً اعتماد آبائنا وأجدادنا الذين لحقناهم
فكان الرجل منهم يدخر الحَب في الصومعة ويوصي الزوجة أن تأخذ من الفتحة التي بالأسفل ولا تفتح الصومعة من الأعلى فتأخذ منها ما شاء الله ولا تعلم حدود ما أخذته تستفتح ببسم الله في كل أمر وتنزل البركة من الله لأنه أخرج الزكاة يوم حصاده وجعله رصداً لنفسه وأولاده وللفقراء من عباد الله
نحن لا نحتاج إلى معونات وإنما نحتاج إلى البركة من المقيت فلو نزلت البركة من الله على أرضنا ستنتج ما يكفينا ويزيد ويرفع شأن اقتصادنا ولو نزلت البركة في أولادنا لكانوا مخترعين ومكتشفين وأغنونا عن استيراد السلع والمعدات من غيرنا هذا هو الأمر الذي يتعامل به الله مع المؤمنين وفيه يقول{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق
كيف؟
بالبركة جهز هذا الطعام لأيام يكفيه هذا الطعام إذا حلت فيه البركة أعوام كان النبي صلي الله عليه وسلم حتى في الجيوش الحربية أرسل سرية وفيها أبو هريرة وأعطاه جرابا مملوء تمرا وقال (هذا غذاء الجيش) مشى أبو هريرة يطعم الجيش خمسة عشر يوماً
يعطي كل جندي في الصباح تمرة وفي الظهر تمرة وفي العشاء تمرة ولا يحتاج إلى غيرها وكأنها أقوى من كل الكبسولات التي صنعتها أمريكا وألمانيا للغذاء في هذا الزمان
ولما أوشك ما في الجراب على النفاد وهم يمشون على ساحل البحر إذا بموج البحر يقذف لهم بحوت ضخم أخذوا يأكلون منه شهراً وحملوا منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت الروايات أن السلسلة منه كان يمر من تحتها الجمل
رزقهم الله هذا من غير حساب لأنهم توكلوا على الله واعتمدوا على الله ولم يلجأوا إلى قطع الطريق ولم يلجأوا للاعتداء على الآمنين لأخذ طعامهم وميرتهم وإنما وجهوا القلوب إلى علام الغيوب وهو يقول {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق3
الطائفة الأولى من الغرباء هم الذين يتمسكون بهدي النبي الذين يصلحون إذا فسد الناس والطائفة الأعلى والأغلى والأرقى يقول فيهم صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى {إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا عِبَادَ اللَّهِ}[2]
يعلمون الناس بالحكمة والموعظة الحسنة العودة إلى السنن الحميدة وإلى الشريعة الرشيدة لا بالقهر ولا بالشدة وإنما يعلمونهم ويشرحون لهم أن في إتباع الشرع خير لهم في الدنيا وحصن أمن لهم من النار في الآخرة وسعادة وارفة لهم في الجنان ينشرون هدي النبي العدنان ويحاولون أن يحيون سنته في أنفسهم وفي غيرهم فلنكن جميعاً من هؤلاء لقوله صلى الله عليه وسلم {مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ}[3]
[1] مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن سنة
[2] رواه الترمذي برقم -2632- وقال: حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح
[3] صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجة عن جرير بن عبد الله