إن رسالة الإسلام العظيمة هي رسالة حرية وبالتالي لا يحمل هذه الرسالة العظيمة إلى البشرية جمعاء إلا الأحرار وذلك للأسباب التالية: أولا: الإسلام لا يكره أحدا على الدخول في الإسلام، قال تعالى (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الله عزوجل يمنع المسلمين من إجبار غيرهم على الدخول في الإسلام، لأن الله الملك العظيم الهادي الكريم يُبين ويُوضح للإنسان طريق الهداية ومن بعد ذلك يخيره ما بين الدخول في الإسلام بكامل حريته أو إتباع طرق الضلال، وكذلك قوله تعالى (( قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين)). ثانيا: من متطلبات عبادة الله سبحانه وتعالى في الإسلام هو عبادته وحده لا شريك له وبالتالي هذا يعني أن الإسلام يُحرر الإنسان من أي عبودية لكل ما هو غير و دون الله عزوجل، قال تعالى (( قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد )) وكذلك قوله تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ))، فعبادة الله عزوجل مع الإشراك به هي عبادة غير مقبولة وأعمال صاحب هذه العبادة محبطة، قال تعالى ((وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين )) وكذلك قوله تعالى ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ )). ثالثا: العبودية لله الملك العظيم في الإسلام هي الخضوع والإنقياد والذل عن ضعف وليس عن مهانة لله عزوجل على وجه التعظيم بطاعته والإلتزام بشرائع دين الإسلام، ومن يظن من غير المسلمين بأن عبادة الله عزوجل في الإسلام يوجد فيها قدر من إهانة المسلم أو التقليل من منزلته الإنسانية فهو واهم ومخطئ بشكل كبير لأنه الذي يحط من المنزلة الإنسانية ويحقر ويهين الإنسان هو عبادته لبشر مثله وذلك لسبب واضح هو أنه إذا ما علمنا بأن البشر متساوون في إنسانيتهم لإشتراكهم في ضعفهم وحاجتهم وفقرهم إلى الأسباب الدنيوية من طعام وشراب وهواء وضوء والتخلص من الفضلات وغيرها من أجل الإستمرار في الحياة، وبالتالي عندما يعبد الإنسان بشر مثله فإن المعبود البشري سوف يسعى بكل ما أوتي من قوة وسلطان ونفوذ إلى تحقير وإصغار وإنزال عبيده إلى درجة أو درجات أقل منه وهذا منطقي لأنه هو ربهم (والعياذ بالله من هكذا قول ) والإله المعبود يجب أن يكون أعلى درجة من عبيده وبالتالي يعمل هذا الإله البشري على ترتيب عبيده إلى درجات ومنازل ذات تسلسل هرمي يكون هو في قمة الهرم بينما عبيده يتفاضلون فيما بينهم حسب إستفادة إلههم البشري المعبود منهم فأقربهم منه منزلةً هو أكثرهم منفعةً له، قال تعالى عن فرعون اللعين الذي إدعى الألوهية (( ما علمت لكم من إله غيري )) وكذلك قوله تعالى (( فقال أنا ربكم الأعلى )) وكذلك قوله تعالى (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) وكذلك قوله تعالى (( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )). وطبعا ما دام عبادة البشر تُحقر وتُهين الإنسان العابد فبالتأكيد عبادة الإنسان للأصنام أو لغيره من المخلوقات أو عبادة هوى متبع أو شهوات فيها تحقير وإهانة أعظم وأشد. بينما في المقابل، لقد بعث الله عزوجل الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام السماوية العظيمة رحمة للعالمين ومن أجل تكريم الإنسان وليس من أجل إهانته، فالإسلام يجعل من العبد المسلم ملاك في روحه حيث تَسمو وتَعلو روحه بالعمل الصالح وبالطاعات وبالتالي يسعى العبد المسلم إلى الإقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا وعلى رأسهم الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أجل الإقتراب منهم في المنزلة والإحسان والتكريم والطاعة، مع العلم بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا هم يتصفون بالكمال البشري، فهم بمثابة الملائكة البشرية، وذلك لأنهم معصمون عن معصية الله عزوجل بشكل مقصود ومتعمد، ولكنهم ليسوا معصومين عن ترك الأولى أو الإجتهاد الخاطئ الغير مقصود أو الوقوع في الخطأ الغير مقصود أو النسيان وبالطبع هم معصمون عن الإقرار على الإجتهاد الخاطئ الغير مقصود وعن الخطأ الغير مقصود، فمن أجل ذلك هم عبارة عن نموذج للبشرية في عباد ة الله عزوجل. أيضا إضافة لذلك تجد في الإسلام العظيم أنه كلما زادت أيام وسنين عبادة المسلم وطاعته لله عزوجل، سواء كان فقير أو غني، قوي أو ضعيف، شاب أو كهل، وجيه أو مسكين، فإن رحمة الله سبحانه وتعالى له في الدنيا تزداد بتثبيته على الحق وعلى طريق الإسلام المستقيم وكذلك تكريمه في الآخرة يزداد بالإنعام عليه بالدرجات الرفيعة في جنات الخلود بمشيئة وإرادة الله الملك العظيم الهادي الكريم فالتكريم والحرية متلازمتان فالحر يُكرم، بينما الرق والإهانة متلازمتان فالرقيق يُهان لأن عبيد الدنيا سواء عبيد الهوى، أو عبيد المال، أو عبيد السلطة أو الجاه، أوغير ذلك من عبيد مظاهر ومتاع الدنيا الفاني ،دائماً في ذل ومهانة مستمرة بسبب لهثهم وإنكبابهم الغير منقطع على مظاهر دنيوية حقيرة ودنيئة وزائلة فكلما إزدادت أيام وسنين عبادتهم للدنيا، إزداد ضعف القوي منهم وإزداد هرم الشاب منهم وإزداد فقر الغني منهم وإزداد ظلم الظالم منهم وهكذا دون أن يتوقفوا عن عبادة الدنيا حتى يلاقوا يومهم الذي كانوا يوعدون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم