د.محمد بن عبد العزيز المسند
إنّ أخطر ما يهدّد حياة الزوجين، ويهدم البيوت المستقرّة: الخيانة الزوجيّة، وهي درجات؛ أدناها: ميل القلب وتعلّقه بغير الزوج دون أن يظهر ذلك على الجوارح، وأعلاها: الوقوع في الفاحشة الكبرى ـ عياذاً بالله من ذلك ـ، وما كنت أودّ الحديث عن هذه القضية المنكرة، لولا أنّ بعض الناس ـ لا سيّما في هذا الزمن ـ قد ابتلي بذلك، وكثر السؤال عنه، والشكوى منه من قبل بعض الأزواج والزوجات، أسأل الله السلامة والعافية.
فأقول ـ بادئ ذي بدء ـ: إنّ الله عزّ وجلّ: ((لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)) (الأنفال: 58)، و(( لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ )) (يوسف: 52) .
كما أخبر بذلك في كتابه الكريم، فالخائن عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة، فهو محروم من السعادة والهناء والاستقرار في الدنيا، ومخزيّ في الآخرة، ثمّ إنّ الخيانة إذا كانت قبيحة من الزوج، فهي من الزوجة أشدّ قبحاً، وأسوأ عاقبة، وذلك أنّ الزوج قد يتعلّق قلبه بامرأة فيتزوّجها بالحلال، فإنّ الشارع أباح للرجل أن يتزوّج بأربع، بخلاف المرأة، فإنّ خيانتها لا تنتهي إلا بأحد أمرين؛ إمّا بهدم بيتها وذلك بطلب الطلاق من زوجها طمعاً في نيل من تعلّق قلبها به، وإمّا بالوقوع في الفاحشة الكبرى وهي في عصمة زوجها ـ عياذاً بالله من ذلك ـ، وثمّة أمر ثالث، وهو أن تبقى مع زوجها بالجسد، وقلبها مع غيره، فتعيش حياتها في شقاء، مع ما ينتظرها من العقوبة بسبب ما ارتكبته من إثم الخيانة الخفيّة.
ثمّ إنّ الزوج قد يحتمل من امرأته كلّ خطأ ـ دون الكفر بالله ـ إلا الخيانة، فإنّها كالخنجر المسموم، تَطعن به الزوجة في ظهر زوجها.
ويزداد الأمر سوءاً إذا كانت المرأة ـ أو الرجل ـ قد بلغا أشدّهما، وتجاوزا سنّ الشباب وطيشه:
وإنّ سفاه الشيخ لا حلم بعده وإنّ الفتى بعد السفاهة يحلمُ
وللخيانة علامات كثيرة لا تخفى في الغالب على من له أدنى بصيرة، فتظهر في خفقات القلب، وفلتات اللسان، وقسمات الوجه، وحركات الجوارح في الرغبة في الاقتراب وسماع الصوت، كما تظهر بالاهتمام بالمظهر عند الطمع في الرؤية كما قال الشاعر:
ومهما تكن عند امريء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ
وإن خفي شيء من ذلك على الخلق، فإنّه لا يخفى على ربّ الخلق سبحانه، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السرّ وأخفى.
ويعظم الخطب أيضاً، إذا كان الزوج المبتلى ـ رجلاً كان أو امرأة ـ لم يقصّر في حقّ زوجه، وبذل له من المودّة والمحبّة والحنان، ما يشبعه ويكفيه، وقد كان بعض كبار السنّ يحذّر من إظهار المحبّة للزوجة، ويقول إنّ ذلك يفسدها، ويجعلها تتعلّق بغيره، وهذا غير صحيح على إطلاقه، لكنّ الاقتصاد في ذلك ـ على وجه العموم ـ خير من التمادي فيه، فإنّ من طبيعة الإنسان أنّه إذا ظفر بشيء وتمكّن منه، تاقت نفسه إلى غيره، ومثل هذا وإن كان موجوداً في الرجال، لكنّه يكثر في النساء كما يشهد بذلك الواقع.
أمّا أسباب الخيانة فهي كثيرة أذكر منها:1- النظر المحرّم، فكلّ الحوادث مبدأها من النظر كما قال الشاعر، ولا فرق بين النظر المباشر، أو عن طريق الشاشات الملونة، أو الصور.
2- الاختلاط المحرّم، والتساهل في أمر الحجاب، لاسيما بين الأقارب والأصدقاء، وكذلك مع الخدم والسائقين، وهو من أكثر أسباب وقوع الخيانة.
3- الخلوة المحرّمة، سواء في البيت أو العمل أو السيّارة.
4- خيانة أحد الزوجين، فإنّها سبب لخيانة الآخر، فإنّ الجزاء من جنس العمل.
5- انشغال أحد الزوجين عن الآخر، وعدم الاهتمام به، وإشباعه عاطفياً باعتدال كما سبق.
6- الهاتف، والنقّال منه أشدّ، فإنّه إذا أسيء استخدامه أوقع فيما لا تحمد عقباه.
7- المحادثة عن طريق الأنترنت، وهو ما يُعرف بالدردشات ونحوه، وهو غالب سبب الخيانات في هذا الزمن.
8- وصف المرأةِ المرأةَ لزوجها كأنّه يراها، والثناء عليها من حيث الشكل والخُلُق، وقد ورد النهي الصريح عن ذلك، والعكس صحيح بأن تصف المرأة زوجها أو أحد محارمها للنساء، وتبالغ في الثناء عليه، حتى تتعلّق النفوس به، وهذا من حماقة بعض النساء.
9- السفر بدون محرم ولو مع مجموعة من النساء، ولذا ورد النص بتحريم ذلك.
10- تزيين الشيطان، فقد تتعلّق المرأة برجل هو أقلّ من زوجها شكلاً ومضموناً، لكنّ الشيطان يزيّن لها الحرام، ومثل هذا يقال في الرجل، وقد جاء في الحديث أنّ أقصى ما يسعى إليه الشيطان ـ بعد الكفر بالله ـ خراب البيوت والتفريق بين الزوجين.
11- الرفقة السيئة، حيث تزيّن للرجل أو المرأة الخيانة.
12- ضعف شخصيّة الزوج واهتزازها، ممّا يُغري الطرف الآخر بالخيانة.
13- وجود عيب في الزوج من كِبَر أو مرض أو إعاقة، لا سيما إذا أخفاه عن الطرف الآخر عند الزواج.
14- الشكّ الزائد في الطرف الآخر.
15- إجبار المرأة على الزواج ممّن لا تريده.
16- كثرة الخروج من البيت إلى الأسواق وغيرها بدون محرم.
17- بعد الزوجين عن بعضهما من أجل العمل أو غيره.
هذه أهم أسباب الخيانة، وهي لا تكون إلا مع وجود سبب رئيس، ألا وهو ضعف الوازع الديني، ومراقبة الله عزّ وجلّ، ولهذا أثنى الله على الزوجات المؤمنات بأنّهنّ: ((حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ )) (النساء: 34).
أي لا يخنّ أزواجهنّ في عرض ولا مال.
وأمّا علاج الخيانة: فإن كانت في أدنى درجاتها، وهي التعلّق المجرّد الذي لم يترتب عليه فعل، فالعلاج يسير بإذن الله لمن صدق في طلبه، وهو يتلخص فيما يلي:
1- اللجوء الصادق إلى الله عزّ وجل، والتضرّع إليه أن يصرف هذا التعلّق عن القلب، والله عز وجل لا يخيب من دعاه.
2- الابتعاد عن كلّ ما يزيد من هذا التعلّق ويشعل ناره، من اقتراب أو سماع أو نظر، حتى تنطفئ نار الفتنة والتعلّق، وهذا من أنفع الأدويّة.
3- النظر إلى الزوج نظرة إيجابيّة، وتذكّر ما فيه من جوانب مضيئة، وأخلاق حسنة، وتغليب هذه النظرة، على النظرة الأخرى التي لا ترى إلا الجانب المظلم.
4- تذكّر عاقبة الخيانة في الدنيا والآخرة، وهوان الخائن عند الله وعند من تعلّق به، فإنّ من تذكّر ذلك عظمت عنده الخيانة، وكان ذلك سبباً لتركها والبعد عنها، والرضا بما قسم الله ـ عزّ وجلّ، أمّا إن بلغت الخيانة أقصاها ـ حمانا الله وإياكم ـ؛ فلا مخرج من ذلك إلا بالتوبة النصوح، والانطراح بين يدي الله تعالى بكل ذلّ واحتقار، والرضا بما سيترتب على هذا العمل الشائن من عقوبات مؤلمة، كما هي سنّة الله في الانتقام لمن انتهك محارمه، والله عزيز ذو انتقام.
وأختم هذا المبحث بهذه العبارة الجميلة التي قرأتها في بعض مواقع الأنترنت، والتي ينبغي أن تكون شعاراً لكلّ زوج وزوجة، تقول هذه العبارة:
المستحيلات الثلاثة:
1- أن أعيش بدونك.
2- أن أستغني عن عيونك.
3- أن أفكّر أخونك .
والله وليّ التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد