الوطنية: هي الشعور بالإنتماء وما يتبعه من عاطفة وطاقة حب تصل الى درجة التضحية بالنفس وذلك تجاه المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي وعلى رأسه الإنسان الذي هو أكثر الكائنات الحية عقلانية لتطور ورقي عقله وتميزه عن باقي الكائنات الحية.
القومية: هي الشعور بالإنتماء وما يتبعه من عاطفة وطاقة حب تجاه مجموعة الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان والتي تعيش متناسلة في نفس المكان. وينطوي تحت هذا المفهوم الأسرة والقبيلة وما يتفرع عنها من مفاهيم مصغرة كالفخذ وأخرى مكبرة كالعشيرة، وكذلك القوم والشعب وما يتبعه من مفاهيم مصغرة ومكبرة حسب مساحة المكان وتعدد الأعراق داخل مفهوم هذا الإطار غير المحدد.
العقيدة: هي منظومة الفكر الذي يتبناه الإنسان والذي يتفرد بها عن باقي المخلوقات من الكائنات الحية والتي أعطته صفة الرقي نظراً لتطور عقله ومدى إدراكه لمعنى الحياة والموت. وينطوي تحتها العقيدة الدينية التي تخبر عن نشوء وخلق هذه الحياة الدنيا وتقر بما بعدها من حياة آخرى، وذلك بناءً على حقائق في رسائل سماوية من الخالق ومبلغة للناس بواسطة الأنبياء والرسل ...
فالكائنات الحية غير الإنسان لديها عاطفة الوطنية، وعاطفة القبلية والشعوبية ولكنها تفتقر للعقيدة والفكر، إذ ينحصر صراعها على الطعام والغرائز. لذلك فهي تعيش لتأكل، ولا تأكل لتعيش ومحكومة بشريعة الغاب (القوي يأكل الضعيف) لغياب الفكر والعقيدة. فهي مسيرة لرسالة حددها الخالق وليست مخيرة، وتتزاوج بغريزة الجنس لتتكاثر من أجل فائدة الإنسان. فهنالك مثلاً قبيلة الأسود. والتي تنتمي الى عشيرة القطط والتي تنتمي الى المملكة الحيوانية وهكذا.
ثلاثة مصطلحات ومفاهيم (الوطنية، القومية، العقيدة) لا تناقض بينها، ويوجد بينها تقاطع في كثير من المناطق، وافتراق في المسافات والهوامش الضيقة ناتجة عن تقديم الأولويات وليس عن الإختلافات، وذلك بتقديم إحداها على اخراها، فإن تعرض الوطن للعدوان تتقدم الوطنية على مثيلاتها وتعززها مثيلاتها، وإن تعرض قومك أو شعبك للعدوان تتقدم قوميتك على مثيلاتها وتعززها مثيلاتها. وإن تعرضت عقيدتك السليمة للمس تتقدم العقيدة على مثيلاتها وتدعمها مثيلاتها في اطار الوطنية والقومية. إذن فالعلاقة بينها تكاملية تفاضلية حسب الأولويات. وتشكل هذه المفاهيم مثلثاً قائم الزاوية ومتساوي الضلعين. ولكن كيف ولماذا؟؟.
الوطنية : وهي ضلع المثلث الأول المجاور للزاوية القائمة، وهي تعبير عن شعور مجموعة من البشر (القبيلة، القوم أو الشعب) بانتمائهم المشترك الى البقعة الجغرافية التي يعيشون عليها على الرغم من اختلاف معتقداتهم، ويجمعهم لغة تخاطب واحدة وتاريخ واحد وحضارة واحدة وتراث واحد، ويتعاونون فيما بينهم من أجل الحفاظ على المكان والدفاع عنه وتطويره للصالح العام. إذن هنا كانت الوطنية جامعة للقومية مع العقيدة كروابط قوية في المجتمع تشده تجاه هدف واحد وهو رفعة الوطن، وإن اختلاف العقيدة بين مكونات المجتمع لا يعني افتراقها أو اختلافها مع روابط الوطنية والقومية. ولا ينفي تنوعها وجود المشاعر الوطنية والقومية لدى أصحاب المعتقدات العقدية المختلفة، استناداً الى قول الله تعالى في كتابه العزيز:
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" صدق الله العظيم.
لا يوجد شعب على وجه الأرض بدون وطن، ولا يوجد قبيلة بدون شجرة نسب، إذن الله سبحانه وتعالى أقر بوجود القومية والوطنية في البشرية، ومشاعر الوطنية والقومية ليست عيباً أو مدعاة للسخرية والتنابز بين الناس، لأن الأصل لكل البشرية واحد. فلا فضل لقوم على قوم أو قبيلة على قبيلة ولا لشخص على آخر الاّ بالتقوى والعمل الصالح.
هنا يذكر الله الناس على اختلاف معتقداتهم بأن أصل خلقهم واحد لا يتجزأ، من ذكر واحد وأنثى واحدة، فلا فضل لإنسان على آخر من ناحية الخلق، ويقول للناس، لقد أوجدنا في خلقكم تنوعاً في الشكل والطباع وتفاوتاً بالعقل تماماً كما تتنوع تضاريس الأرض ومناخاتها التي خلقتم منها وذلك ليكتمل معنى الحياة التي رسالتها التفكر والعلم والسعي والعمل والحوار والتعارف والتعاون فيما بينكم من أجل الصالح العام للبشرية جمعاء وفي نهاية المطاف سوف يتم فرزكم وتصنيفكم في الآخرة على أساس العقيدة السليمة (التقوى) مهما علا شأن أحدكم وتدنى شأن الآخر في الحياة الدنيا. فلو خلقناكم نسخة واحدة وتتحدثون بلغة واحدة وانتماء قبلي وقومي وشعوبي واحد وعلى بقعة جغرافية متشابهة من الأرض لما كان هنالك حاجة للحوار والتعارف بينكم ولكانت الحياة الدنيا روتيناً مملاً يخلو من المنافسة والنفع والخلق والإبداع والتفاضل من أجل التكامل في كل مناحي الحياة. ولافتقدت الحياة الدنيا رسالتها وخلت من أهدافها، ولما كان مبرراً لوجودكم عليها.
القومية: وهي ضلع المثلث الثاني المجاور للزاوية القائمة للمثلث، ومتساوية في امتدادها على الأرض (الجغرافية) لضلع الوطنية مهما قصر أو طال في حدوده ومفهومه، وما يجمع القومية بالوطنية هو التاريخ المشترك والحضارة الواحدة، والتراث المشترك ولغة التخاطب على قاعدة بشرية متنوعة المعتقدات الدينية والفكرية. أي ان الإنسان وطنيٌ وقومي بطبعه وفطرته التي فطره الله عليها بغض النظر عن معتقده وفكره. ولا يمكن تجريد الإنسان من وطنيته وقوميته على أساس عقائدي ديني أو فكري وضعي. فالقومية العربية بمفهومها العريض والطويل مثلاً تتسع للقوميات العربية كلها والمقسمة على عدة جغرافيات متصلة ومتماثلة في التاريخ والحضارة ولغة التخاطب. وإن أشد الناس تعصباً للعقيدة والفكر لا يمكن أن يتناسى انتماءه القبلي والعشائري، ولا يمكن يتناسى جذوره القومية والعرقية ويضرب بها عرض الحائط.
العقيدة: هي بمثابة الضلع الثالث الذي يكمل بناء وتماسك المثلث ويسمى الوتر، والوتر في المثلث وظيفته أن يشد الضلعين الى بعضهما البعض ليقوي صمودهما في صنع المثلث القوي والعصي على التفكك. وكلمة الوتر بمفهومها الدراج تعني الحساسية، وهي تتعلق بالروح التي نفخها الله بمخلوقاته، وتولتها النفس في الجسد، الذي أودع الله فيه الغزائز والعقل، لتكون الغرائز بمثابة المغريات التي تسلك طريقاً مستقيماً واضحاً وتارة ملتوياً ومتعرجاً ينقصه الوضوح، والعقل بمثابة الكوابح لتلك الغرائز. وتتشكل النفس وتولد من مخاض وصراع مرير بين شهوة الغرائز والعقل. فإما أن ينتصر فيها العقل ويفرض رؤيته وقيادته على الغرائز فتكون العقيدة سليمة، وإما أن تنتصر فيه شهوة الغرائز على العقل فيفقد العقل سيطرته وتحكمه على النفس فتكون العقيدة منحرفة وملوثة برذائل الغرائز تلوثاً نسبياً.
والعقائد الدينية السماوية يفترض فيها النقاء والسلامة، لأن الرسالات السماوية كلها تدعو الى الخير والصلاح والإستقامة بشكل متدرج ومتسلسل ومتراكم حيث نزلت متناسبة مع مقدار التطور منذ بدء الخليقة الى اليوم، تماماً كالمراحل التعليمية تتدرج في حقن المعلومات المتناسبة مع قدرة العقل على الإستيعاب في ذهن الطالب المتلقي من الإبتدائية الى المتوسطة الى الثانوية ومن بعدها الجامعية. فكانت معجزات الرسل السالفين حسية ملموسة وخارقة للعادة لتقنع العقل البشري الحائر والمبتديء بوجود خالق عظيم لهذا الكون لا يقدر على صنعه بشر مخلوق. لذلك نزلت آخر رسالة سماوية جامعة لما قبلها وشاملة على كل متطلبات حياة الناس على الأرض وفيها خارطة طريق لما بعد الممات بالآخرة وتلك هي معجزتها بلغة وكلام يعجز البشر عن الإتيان بمثله. وهي صالحة لكل زمان ومكان لا ينفيها التطور بل هي تعززه وتمنحه الشرعية والقبول.
ما يقلق في هذا الجانب هو قيام أحزاب وتكتلات بشرية على أساس فكر عنصري متطرف وفكر وضعي متعصب، وكأن الدين نزل من السماء ليكون حكراً عليهم. ولا تؤمن تلك التكتلات بالوطنية ولا بالقومية وتعتبرها من المحرمات والموبقات وتذيبها في محلول التعصب للعقيدة في إطار عنصري لا يعترف بالآخر، وتتحوصل بداخل شرنقة معزولة عن باقي المجتمع، ولا تعترف بوجود أطياف بشرية تعتنق خلاف ما تعتنقه هي
، فتنزع عن نفسها ثوب الوطنية والقومية وتتمترس داخل شرنقتها المقفلة، متسترة ومتعذرة بالشعارات الدينية، تلك الشرنقة التي لا ينفذ منها معتنقوها ليروا المجتمع والعالم من حولهم، ولا تسمح بدخول غيرها اليها لكي لا يلوثها كالفكر الصهيوني المغلف بشعارات الدين المحرفة عن مواضعها، وبالرغم من عزلتها داخل مجتمعها، الاّ أنها تنسج من حولها بيوتاً هشة كبيوت العنكبوت من خيوط الخيال الذي يتخطى الواقع ويتجاوزه كثيراً ويفوق طاقة الوطنية والقومية وإمكانتها بكثير، في حين أنها تسكن في حوصلة ضيقة لا تتسع لهذا الخيال الجامح. فتصطدم أحلامهم في بناء مجتمع موسع بالتطويع والقمع على أساس عنصري منسجم مع تطلعاتهم التي لا تدرك لها مدىً منظوراً ، فتغرق في خيالاتها بعيدة عن واقعها. وتفشل في تحقيق أهدافها نظراً لإحداث تناقض بين فكرهم المتكلس مع خريطة المجتمع الديمغرافية الفكرية. ويترتب على ذلك تفسخ وانحلال وتفكك روابط الوطنية والقومية المتماثلة، ويدخل الوطنية والقومية في صراع مع العقائد داخل الوطن الواحد. وهذا من شأنه أن يمزق الوطن ديمغرافياً وجغرافياً وجيوسياسياً، ويدخله في تناقض مع ذاته ويضعفه الى درجة فقد المناعة، وهشاشة العظام كحالتين مرضيتين متقدمتين. مما يجعله نهباً وسلباً للآخرين. فالوطنية والقومية عبارة عن طاقة ووقود لمركبة الوطن والمجتمع بمفهومه الجغرافي الضيق والواسع.
وفي نهاية المطاف وإن تجرد الإنسان من مصالحه الخاصة الضيقة بنوايا الخير للعامة مهما كان فكره، فسوف تتحد بداخله المشاعر الوطنية والقومية والعقائدية التي تتعاضد دفاعاً عن الوطن لتفرش له طرق النجاح والوصول الى الهدف. فمن أحب الله فقد أحب قومه وشعبه وأحب وطنه. ومن أحب وطنه فقد أحب قومه مهما اختلفت افكارهم
ومن اتخذ العقيدة وحدها ايدلوجية ورابط وحيد للمجتمع واستثنى الروابط الوطنية والقومية فقد وقع في تناقض مع نفسه، ولن يتلمس طريق النصر والنجاح ..!!!