سيّدي وقائدي ... أكتب لك من جحيم القُصير غير مدرك ما إذا كنتُ سأتمكن من إكمال رسالتي قبل أن أتلقى رصاصة في الظهر أو الرأس وأعود في كفن إلى عائلتي وأسمع عويل أمي وغصّة والدي وأشعر بحرقة حبيبتي، بعد أن كنتُ فيما سبق أستمع إلى زفّة العريس من والدة الشهيد ونعي شهيد الواجب الجهادي الذي كان يتلوه والد الشهيد بفخر، ودمعة شوق تترافق مع جبين مرفوع وبسمة رضى على ثغور حبيباتهم ...
أيّها القائد،
في عيد التحرير لم نستطع أن نقدّم لك مادة لخطابك الذي كنتَ تنوي إلقاءه أمام جماهير الحزب، أتينا إلى ساحة قتال طمعاً بالمال وليس إلى ساحة جهاد طمعاً بالنصر والجنّة، أتينا مرتزقة وليس مقاومون، فقدنا لقب المقاتل ولبسنا ثياب القاتل، نحن من قاتلنا إسرائيل وانتصرنا، نجد نفسنا عاجزين عن اقتحام مدينة محاصرة منهكة، قاومنا المعتدي في الجنوب بإيمان أهل الأرض واليوم بالإيمان ذاته يقاتلنا أهل القُصير فزرعوا الشك والخوف في قلوبنا وأصبحنا العدو الذي لا يعلم من أين يأتيه الخطر، بعضنا يُطلق النار على نفسه كي يعود جريحاً حتى لا يرجع قتيلاً ...
سيّدي،
لا خطاب نصر اليوم ولا حتى نُصَير، تجاهل القُصير في خطابك هروب والكلام عنها مكابرة، لا فخر ولا قضيّة تتكلّم عنها اليوم، قاومنا واستشهدنا في الجنوب ضدّ العدو وحملنا رايات النصر، أمّا حربنا اليوم جعلت من مقاومتنا بندقية للإيجار، اشتريت مشاركتنا بحفنة من دولارات الشيطان الأكبر ودفعت ثمن جثثنا كعبيد في سوق النخاسة، ماذا فعلت بنا يا سيّد، إلى ماذا حوّلتنا ؟!
أمّا بعد،
عندما يشعر المرء بقرب ملاقاة الخالق يرى الأمور أوضح، يراجع الماضي ويكتشف أخطاءه، ماذا لو لم نقف إلى جانب النظام، من قال أن النظام الجديد الذي كان سينشأ لن ينضم إلى محور الممانعة، نحن هزمنا إسرائيل وأبطال القُصير هزمونا، أيّدنا نظاماً لم يجرؤ يوماً على مواجهة إسرائيل بل كان يفاوضها أثناء حرب تموز فماذا لو كنا نحن ومقاومي القُصير في جبهة واحدة ضدّ العدو الإسرائيلي؟
يُقال هنا أننا أطلقنا رصاصة الرحمة على نظام الأسد بمذهبة الصراع وتحويله إلى سنّي شيعي، هذا النظام كان لا يزال يحظى بتأييد سنّي كبير ترهيباً أم ترغيباً لا فرق، ولكنه لم يكن ليصمد لولا التأييد السنّي، اليوم ستنتصر العصبية المذهبية عند السنّة، وحتى لو دخلنا إلى القُصير لن نستطيع البقاء، هؤلاء الأهالي فتحوا أبوابهم لعائلاتنا عندما هربوا من غطرسة وإجرام العدو فكيف بادلناهم معروفهم؟
لم يسرق أحد إنتصارنا، نحن أضعناه، لم يُنكِّس أحد أعلامنا، نحن مزقناها، لم يطأطئ أحد رؤوسنا، نحن استسلمنا، في يوم التحرير تنكشف أخطاؤنا دفعة واحدة، قتلنا أهلنا في لبنان وحاربنا أشقاءنا في سوريا، قوافل القتلى تمرّ بحماية الجيش إلى قرانا، والبعض يرفض دفنهم في مقابرهم، انتقلنا من نصرة المظلوم إلى مشاركة الظالم، ضاع النصر، حاصَرَنا العار، أضعنا البوصلة ووجدنا نار جهنم، خسرنا القضيّة، انتهى الإيمان، فقدنا الحجّة، إذا قُدّر لي أن أعود سالماً أو جريحاً، أعلن أن بندقيتي لم تعد للإيجار بل للإعادة ... دون شكر !!