يتخرج مئات الآلاف من بناتنا من المرحلة الجامعية في تخصصات مهمة، وبكفاءة رائعة، ثم يجدون أنفسهم أسارى للفراغ والبطالة والشعور بعدم الأهمية والإحباط. وتضيق الفرص الوظيفية للخريجات الجامعيات مع تنامي الاحتياجات الاقتصادية للأُسر وغلاء المعيشة وارتفاع أجور المنازل والسلع والضروريات في الحياة؛ وهذا يجعل الفاقد في التعليم أمراً مزعجاً؛ إذ إن هذه المواطنة أنفقت عليها الدولة آلاف المليارات من الريالات في مبان للجامعات وتجهيزات ورواتب لأعضاء هيئة التدريس، ثم تتخرج دون أمل أو بريق مريح لها في فرص وظيفية، حتى أعلنت وزارة العمل أن مليون ومائتي ألف فتاة يبحثن عن عمل، ويدفع لهن حافز إعانة شهرية حتى يحصلن على عمل، مع زيادة في الخريجات وقلة في فرص التوظيف.
ومع ذلك هناك من يرى أن هذه الكثافة من الخريجات كانت تحت رغبة شعبية لمسايرة المجتمع في أن تدرس الفتاة بالجامعة، وتكون هذه الكثافة في عدد الطالبات على حساب الكيف والمخرجات، إلا أن للجهات الموظفة الحق في التأكد من المهارات وإجراء المقابلات والاختبارات اللازمة، ويبقى على الضعيفة في مستواها أن تتحمل وزر قصورها رغم تخرجها من الجامعة. وللأسف، إن الخريجات أصبحن يذهبن للعمل في دول مجاورة؛ لتجني هذه الدول ما زرعناه نحن من بذل وتعليم وتدريس. ومع ذلك فإن دخول الخريجة مجال العمل محدود جداً، وتحكمه العلاقات الشخصية،
ثم معاناة الموظفة من جهات العمل في القطاع الخاص من (تطفيش) وشراسة في التعامل، ووضع حدود عليا للإنتاجية، وهذا ما حدث لابنة صديقي التي تخرجت من الجامعة بتفوق، في تخصص إداري مطلوب لدى البنوك، ثم عملت لمدة ثلاث سنوات، كانت تطالَب بحد من الإنتاجية المالية، يتطلب منها الاتصال، وتمكين البنك من زيادة العميلات في بطاقات الائتمان، ولها رقم معين من المستهدفات، لا بد من تسجيله، مع قلة في الراتب والبدلات، وكثافة في ساعات العمل. ويضيف صديقي بأن ابنته بعد ثلاث سنوات من العمل قرَّرت التوقف لما رأته من غش وخداع من البنك للزبائن، وتوريطهم في عقود بطاقات الائتمان، ثم مفاجأتهم بحيل البنوك وخداعها، وقالت لوالدها "لا يمكن أن أستمر في عمل سيئ كهذا، وأتسبب في مخادعة الجمهور وأنا أعرف حجم الخديعة لهم".
وكان صديقي ممتعضاً من قرارها؛ كونها ستكون عاطلة، لكن قلت له "عليك أن تفتخر بابنة كهذه، وأن ندرك حجم الجشع الذي تعيش عليه البنوك، والمطالبة الواضحة لمؤسسة النقد العربي السعودي لتكثيف الرقابة على بعض البنوك المتجاوزة، ونطالب كل موظفي وموظفات البنوك بألا يورطوا أنفسهم في خداع الناس وهم يعلمون ذلك؛ فلا بارك الله في رزق يأتي بهذه الصورة، وبإذن الله سيرزق الله ابنتك فرص عمل أخرى، أو في مجال تجاري أفضل وأبرك".