سبق
خلال الأيام المنصرمة أجرى الزميل عصام الزامل استطلاعاً شاملاً لمستخدمي ؛ لمعرفة الآراء في قضايا دينية واقتصادية ووطنية مهمة، شارك به أكثر من 6000، الغالبية الساحقة منهم سعوديون.
والاستطلاع يفتقر – ربما - للبُعد الأكاديمي بما يتعلق بوسائل إجراء استطلاع علمي؛ إذ العينة لا بد أن تكون ممثلة، ونظريات فرز البيانات كما هي متداولة في الإحصاء، لكنه في الوقت ذاته حافظ على قدر كافٍ من التنوُّع الثقافي والفكري للمشاركين في الاستطلاع؛ ما يؤهله لأن يكون ذا قيمة معرفية مهمة لمعرفة توجهات المجتمع واختياراته الثقافية والمعرفية.
المحور الديني:
كان من أكثر المحاور إثارة؛ فمهم أن نعرف من يثق السعودي بآرائه؟ حقق سلمان العودة النسبة الأعلى؛ إذ حصد 47 % من التقييم، تلاه -وهنا الغرابة- الشيخ عبدالعزيز الطريفي بـ37 %! متجاوزاً أسماء لها حضور إعلامي طاغٍ كالعريفي والقرني والبريك! ومرة أخرى ما أكثر جهة أو شخص يثق السعودي بفتواها أو فتواه؟ حققت هيئة كبار العلماء 32 % فقط من الأصوات، بينما حق الثنائي الغريب (العودة والطريفي) مجتمعَين النسبة نفسها 32 %! بمعنى أنهم يشكلون كتلة شرعية وحدها لرجل الشارع العادي، ينبغي أن ينتبه لها.
ويظل السؤال الممتد من شاطئ رأس تنورة شرقاً إلى بحر أملج غرباً: ما الذي يجعل المتابع السعودي يثق كل هذه الثقة بالعودة والطريفي؟ الغريب أن بين الرجلين تبايناً فكرياً وشرعياً كبيراً؛ إذ الأول يصنفه خصومه أنه شيخ يدعي الوسطية، وهو أكثر انفتاحاً على المجتمع والأفكار الجديدة من غيره، بينما الطريفي فمعروف بحدته وصرامته وشدة مواقفه أحياناً. وعند التأمل العميق ورؤية الصورة الكبيرة يدرك المتابع أن بين الرجلين نقطة التقاء مهمة وقاسماً مشتركاً كبيراً: كلا الشيخين الفاضلين (سلمان العودة وعبدالعزيز الطريفي) عرف عنهما مجتمعياً الاستقلال التام (مالياً وإدارياً) عن صانع القرار؛ إذ منحهما هذا الاستقلال ثقة المجتمع. العودة لا يعمل في أي مؤسسة حكومية، والطريفي قدم استقالته -كما يشاع- من وزارة الشؤون الإسلامية؛ ولذلك تزداد جماهيرية الرجلين ككرة ثلج. يرى آخرون أنهما -في الغالب العام- ينحازان لقضايا المجتمع عندما تعلو الأصوات في المعارك الأخلاقية الكبرى داخل المجتمع!
المحور الحكومي: إذ حقق المحور الحكومي بشقيه (التنفيذي والتشريعي) نسباً عالية في الاستياء.
الأرقام هنا تتحدث: كل وزراء الدولة تنافسوا على درجة (ضعيف) في الأداء، وحقق أعلى نسبة وزير المالية ووزير التربية والتعليم بالتناصف (ضعيف) 81 % لكل منهما. وفي المقابل لم يحصل على نسب تميز في الأداء سوى وزير التجارة الربيعة، تلاه وزير الخارجية.
الجزء التشريعي المتمثل بمجلس الشورى حقق هو الآخر نسباً مخجلة؛ إذ يعتقد 90 % من المشاركين في التصويت أن المجلس ليس له أي دور فعال، بمعنى أن الأموال التي تُنفق فيه على رواتب أعضائه يُفترض أن تذهب لمجال تنموي آخر، قد يعود على الوطن وأهله بعوائد تنموية أفضل.
75 % غير متفائل بالوضع الاقتصادي عام 2030! و52 % غير راضٍ عن البنية التحتية في المدينة التي يسكن بها! ما المشكلة إذن في الأداء الحكومي؟ ولماذا هذه الأرقام العالية وهذا الاستياء المتزايد؟ يجيب المشاركون في الاستطلاع: 82 % يؤكد أن السعودية تحتاج لإصلاح سياسي. لماذا إصلاح سياسي؟ لأن 96 % - وهي أعلى نسبة بالاستطلاع كله - تؤكد أن الفساد، وخصوصاً الفساد المالي، هو أكبر سبب أعاق التنمية! يليه غياب المحاسبة والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار بنسبة 84 %.
مهما حاول الجهاز التنفيذي تلميع صورته أمام الجيل الجديد فلن تفلح محاولاته؛ وذلك أن 45 % منه لا يقرأ أساساً أي صحيفة رسمية ورقية، ولا يفكر أن يتابع قنواته الإخبارية، التي تعرض مسلسلاً عربياً في الوقت الذي تغرق فيه عاصمة الوطن الاقتصادية (جدة)!
المشاركون في الاستطلاع خليطٌ منوَّع ولفيف ممثل جيد للوطن؛ فمنهم المدخن 27 %، وغيره، ومحب الأغاني 66 %، وكارهها، والذكر والأنثى، وهو مؤشر قياسي مهم لصانع القرار لمعرفة ما الذي يدور فعلاً داخل خلد هذا الجيل.
الخطير في الموضوع أن 78 % من المشاركين يكتبون بـ() خمس تغريدات أو أقل، وهذا يعني وجود (أغلبية غاضبة وصامتة)، لا يعلم عنها صانع القرار، بالرغم من الحضور الطاغي حيناً للبيض.
الأكثر خطورة أن 82 % من المشاركين في الاستطلاع من الشباب؛ إذ تتراوح الأعمار بين 15 و40 سنة.