امتلاك السكن هل يبقى حلماً؟ د . محمد علي الحربي
امتلاك منزل العمر حلم كل مواطن ومواطنة، بل إن امتلاك جزء من هذا المنزل هو الحلم الآن، أيا كان هذا الجزء، أرضاً أو قرضاً، رقم انتظار في صندوق التنمية العقارية، تذكرة مراجعة لحصول على منحة، أو حتى تصريح مسؤول، حتى أن أحلامنا البسيطة بلغت حدا لم تعد تطلب أكثر من هذه الأجزاء لتخدرنا عن ملاحقة الحلم على أرض الواقع.
أصبحنا نطلب هذه الأجزاء البسيطة ولا يهم إن جاءت المهم أننا على الطريق وربما نصل، ولا يهم أيضا أن نصل اليوم أو بعد 20 سنة، أو أننا سنورث الحلم وتذكرة المراجعة ورقم الانتظار في الصندوق لأولادنا أو لأحفادنا، المهم أن يسلم أحدنا الأمانة إلى بارئها وهو صاحب ملك أو يشعر أنه كان سيصبح كذلك.
الأمر الملكي بمنح المواطنين قرضا وأرضا دخل الآن دوامة بعض المسؤولين العباقرة كالعادة، فبعد أن كان صريحا وواضحا ودقيقا ولا يحتاج إلى تفسيرات أو عمليات تجميل، بدأ المسؤولون العباقرة في طرح الأسئلة:
- هل نعطي المواطن أرضا وقرضا ونتركه يتصرف؟
ويجيبون على أنفسهم: ربما لن يحسن التصرف ونحن أقدر منه على تحديد أولوياته وتدبر أموره.
- هل نعطيها لمطورين عقاريين ونتركهم يبيعون الوحدات للمواطنين ونراقبهم من بعيد أو من أبعد قليلا أو من أبعد كثيرا أو لماذا نراقبهم أصلا؟
ويجيبون على أنفسهم: المطورون العقاريون أقدر من وزارة الإسكان على البناء المباشر وتصميم الوحدات وتسويقها.
- هل 500 ألف تكفي لبناء مسكن؟
ويجيبون على أنفسهم: طبعا تكفي، كلها غرفتان وليس بالضرورة أن يتوسع المواطن في المساحات، هناك ثقافة بناء مفقودة في مجتمعنا.
- هل نمنح قروض الصندوق حسب أقدمية التقديم، أم احتياج المواطن وعدد أفراد أسرته؟ ويجيبون على أنفسهم: أعطيناها لشركة تدرسها وطلبنا من الوزارات ذات العلاقة تزويدنا بقاعدة معلومات.
وهكذا مع كل ما يستهدف مصلحة ورفاهية المواطن، يفكر المسؤول عنك!، ويقرر عنك!، ويختار عنك!، ويفصل الأمر وفقا لاحتياجاتك التي يراها هو وليس أنت!، وتفصل الأوامر التي تستهدفك بالخير، إلى شركات ولجان ودراسات وبيوت خبرة تستنزف نصف ما جاء في الأمر، والنصف الآخر لا يصلك إلا بعد أن تذوق مرارة الصبر، أو أن تبلغ من العمر عتيا، أو أن تورث حلمك لأبنائك وأحفادك من بعدك، وهذا بالتأكيد ليس ما تريده القيادة للمواطن، هناك خلل واضح لدى التنفيذيين لا يمكن السكوت عليه أو القفز من فوقه، ويحتاج إلى إجابات وعلاجات عاجلة. بعض المسؤولين من كثر ما تقمصوا همومنا أصبح تفكيرهم عنا وتفسير الأوامر الموجهة لنا وتفريعها عنا، وتقريرهم لأين نسكن يقررونه عنا، وماذا نأكل، وماذا نشرب، ونصبح حقا مشاعا لهم، وهم خارجون عن إطار انتقادهم وغير قابلين للمساس بهم من قريب أو بعيد في هذا الجانب. الأمر الملكي كان واضحا كالشمس، والدعم الكبير بمئات المليارات كلنا نعرفه، ووزارة الإسكان أنشئت لترحمنا من هيمنة واستغلال المطورين العقاريين واستنزافهم لجيوبنا حتى بات حلم شراء قطعة أرض أو امتلاك شقة تعيسة في عمارة، عصيا على المواطن من الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة، فأقل شقة تمليك قيمتها الآن 700 ألف ريال فما فوق، وأصبح المليون ريال كلاما فارغا ولا تسمى نقودا في سوق العقار، فلماذا تريد وزارة الإسكان أن ترمي بنا في أحضان المطورين العقاريين من جديد؟!.:hawamer3912