الخداع الإعلامي حقيقة قديمة وليست سرا من الأسرار, رغم أنها عملية مؤثرة جدا في تغيير القناعات وتوجيه الكثير من الناس نحو وجهة يريدها المُخاطب (تلفزيون – إذاعة – صحيفة – موقع إجتماعي ..) لمصلحة طرف ما .
ولأن الحديث عن كل وسائل التأثير الإعلامية يحتاج إلى مؤلف كبير حيث تتنوع الوسائل الخداعة وطبيعة كل وسيلة , فإنني سأتحدث هنا فقط عن نوع من أنواع الوسائل الإعلامية وهي القنوات الفضائية ,وحول نوع من أنواع برامجها, وهي البرامج الحوارية على وجه التحديد ,وكيف يمارس من خلالها الخداع والتضليل الإعلامي وتوجيه الناس ناحية رأي يتبناه القائمون على البرامج .
محليا طالعتنا القنوات التلفزيونية في الفترة الأخيرة بأكثر من برنامج حواري اجتماعي ثقافي صاخب ظاهره الحرص على الوطن ورغد المواطن وأمنه وأمانه وتحقيق طموحاته حفل بنوع كبير من المشاهدة ثم التشكيك والأسئلة المستفهمة عنها .
ولعل من أكثر الأسئلة شيوعا هو: ما مدى مصداقية هذه البرامج خاصة في ظل جدل بيزنطي غير مثمر في أرض الواقع ؟
وفي الحقيقة فإنك من خلال المتابعة الأولى أو المتابعة المستمرة غير الواعية قد تعتقد أنها صادقة ومثمرة مهتمة بك وبمشكلاتك المعقدة ,ولكن هذا الانطباع سيتغير عندما تكون متابعتك واعية متأملة .
ستدرك حينها أن ثمة خداعا خلف الصوت والصورة ,وأن الأمر أشبه بمسرحية عربية موجهة تخلط بين الحق والباطل .ولأن هذا الوصف قد يكون مشككا فيه فسأبين لك ما يثبت قولي من خلال دراستي لمجموعة من البرامج الحوارية.سأبين لك هنا وبالتحديد بعض الخدع والحيل الإعلامية التي تستخدم في البرامج الحوارية من أجل قلب الحقائق وتوجيه الناس لرأي يتبناه أصحاب هذه البرامج .
- فإليك مجموعة من وسائل الخداع الإعلامي :
1 - تضليل المشاهد بتسليط الضوء على العرض وترك المرض.
إنك في الحقيقة لو تأملت مواضيع الحلقات المطروحة في غالب البرامج الحوارية لوجدتها قضايا جزئية وليست قضايا أساسية وإن كانت تشكل أحيانا قضية رأي عام متغافلة عن أساس المشكلة .
ومثال هذا تسليط الضوء على حوادث المعلمات ووفياتهن ومعاناتهن وقضية هضم حقوق معلمات بند 105 وضياع سنوات من عمرهن بلا احتساب والحديث عن تدني وضع التعليم وكثرة مشكلاته دونما أن يشار بصراحة إلى أساس المشكلة ؟!
2- استضافتها من لا يملك قرارا حقيقيا .
ألم تلاحظ أن الضيوف في الغالب المستضافين للبرامج الحوارية هم أصحاب الصورة الرمزية لا الصورة الحقيقية التي وراء المشكلات في أي قطاع ؟ فلماذا ؟ ....باختصار من أجل أن يخدعنا المذيع في أنه قد قبض على رأس المشكلة ,وأنه لن يخاف فيه لومة لائم ,ثم يمارس عليه التعنيف والتأنيب ,فلا يستطيع هذا المسكين المقيد بالبيروقراطية أن يجيب إلا بالنفي والتبرير التافه خشية على لقمة عيشة .. ومن أجل أن يشعرك بعد ذلك أنه قد حل المشكلة !
3- وفيما لو استضافوا من يملك القرار فما الذي سيحدث
يجب أن تعرف أنه لا يمكن أن يقبل مسؤول كبير في أي وزارة على الاستضافة إلا بعد أن ترسل له الأسئلة مسبقا , فيختار ما يناسبه منها ويترك مالا يعجبه, ثم يشترط على المذيع ألا يحرجه بأي سؤال حتى وإن بدت إجاباته غبية وهذا ما يفسر ظهور المذيعين المستأسدين على المسؤولين الصغار بمظهر المذيع الهادئ الضعيف أمام المسؤولين الكبار ما يفسر برودة اللقاءات وعدم جدواها .
وفي حال إن كان للقضية بعد إديولوجي معاكس للتيار الأكثر في المجتمع ,فيجب أن تدرك كيف سيتم التعامل في هذه البرامج الصاخبة :
1- اختيار القضايا الكاذبة ونقاشها دون تحقق , بل وتوجيه رسائل تشويهية من خلالها للمشاهد...مثل خبر : ( الهيئة تطارد مواطنا وتتسبب في موته وبتر يد زوجته وتصيب طفليه) ... والذي اتضح أنه كاذب بعد أن تسبب في تشوية صورة رجال الحسبة وسجن رجال دورية الهيئة لما يقارب شهرا !
2- محاولة اظهار الرأي المخالف لتوجههم بمظهر الضعف, وذلك من خلال احضار أكثر من ضيف متحدث في رأي في مقابل ضيف واحد مخالف لتوجه أصحاب البرنامج مثال ذلك :
قضية بهو فندق الماريوت والتي تحدث عنها الكاتب صالح الشيحي, وأيده فيها بعض المثقفين , حيث استضاف برنامج ياهلا صالح الشيحي وحيدا في مقابل ثلاثة ضيوف المذيع رابعهما في الرأي المضاد ,ثم بدأوا بالهجوم الغادرعليه بعيداعن الموضوعية الإعلامية لكي يظهروا رأيه بأنه ضعيف !
3- اللعب على توزيع الوقت بحيث يعطى الضيف صاحب الرأي الذي لا يخدم توجه القناة الجزء الأقل وعلى فترات متقطعة مربكة بحيث تظهر وجهة نظره ناقصة قاصرة وضعيفة جدا.
4- اللعب على إخراج الضيف عن صلب الموضوع ,وإه ببعض الأسئلة الخارجة عن إطار الموضوع لعله يخطئ ,فيكون النقاش حول خطئه, ويظهر للناس على أنه مفلس وأن رأيه ضعيف .
4- مهاجمة الضيف واتهامه باتهامات لا صلة لها بالموضوع , لكي ينفعل فتطير أفكاره ويظهر رأيه تافها جدا أو يزل فيسقط من عين المشاهدين.
6- اللعب بالصورة أحيانا بحيث يتشتت المشاهد عندما يكون المتحدث من يحمل وجهة النظر المخالفة لتوجه القناة وذلك بتجول الكاميرا في الأستديو وعدم التركيز على حديث الضيف بينما تثبت الكاميرة على وجه من يؤيد وجهة نظر البرنامج إذا جاء دوره في الحديث.
7- اللعب كثيرا بالمداخلات الهاتفية بحيث يُختار مداخلين لا يمثلون إلا وجهة نظر البرنامج وذلك من خلال التنسيق المسبق فيظن المشاهد أن هذا هو رأي الشارع .
8- استضافة المذيعة المتبرجة لمحسوب على الدعاة لتناقش قضية دينية لتمرير فكرة أن مجالسة المرأة الأجنبية المتبرجة جائز .
9- صناعة رموز شرعيين متسامحين مع توجه القنوات السيئة كما فعلت إحدى القنوات الكبيرة مع أحدهم , والذي يحمل الآن شهادة ماجستير ودكتوراه وهمية ولم يعرف عنه من قبل طلب العلم الشرعي كما ينبغي , ليؤدي أدوارا تلمع القناة وتحابيها.
ومن مظاهر التسامح غير المشروع تبسط هذا الداعية المصنوع مع المذيعة وتبادل التعليقات والضحكات معها أمام المشاهدين (ابحث في اليوتيوب ).
10- اجتزاء بعض المقولات وتلفيق الدعاوى عليها لتشويه شخصية ما , مثل التعليق الصاخب على خبر : (داعية يفتي بقتل مكي ماوس ) والذي كان مكذوبا على الشيخ المنجد ولو فتح أي أحد المقطع بكامله لاكتشف عملية البهتان العظيم.
11- استضافة وجوه متدينة غير متمكنة من العلم الشرعي أو غير متمكنة من التعامل مع الإعلام لإظهار رأيها الشرعي بصورة رديئة.
12- ترك الأفكار التي تخالف وجهة نظر البرنامج والطعن في نية طارحها وما أكثر ذلك .
فبدلا من أن يتحدث البرنامج عن فكرة الموضوع تجده يذهب لنقد الشخص والطعن في نيته واتهامه بما ليس فيه لغرض تشويه الخطاب بطريقة غير مباشرة وصرف الناس عنه.
13- استخدام تعابير الوجه الساخرة أو الساخطة مع صاحب الرأي المخالف لتوجه البرنامج وتحول المذيع أحيانا كثيرة لخصم شرس.
14- استخدام تقرير الحلقة لتأييد وجهة نظر البرنامج وليس لإظهار الحقيقة كما هي وذلك عن طريق التركيز على الأشياء التي تخدم رأي البرنامج وكتابة نص التقرير بلغة تعزز توجه البرنامج.
15- تعامل المذيع مع من يخالف توجه البرنامج بشيء من الاستحقار وفي المقابل تعامله مع من يؤيده بشيء من التقدير والحبور .
16- رمي التهم على ضيفهم المخالف لهم بلا أدلة ولا براهين من خلال ضيوف براغماتيين متمكنين إعلاميا وجدليا , وعدم مطالبة المذيع لهم أن يثبتوا ما زعموه بينما يطالب من يطرح طرحا مخالف لهم بالوثائق .
وهناك حيل أخرى ربما يأتي الحديث عنها لا حقا
وقد كتبت هذا لكي لا تستغل مشاعرنا ولا تخدع من خلال أناس لا يفكرون بغير مصالحهم.وللذين قد يسألون بعد عرض هذا كله ما الهدف من هذه البرامج ؟ فيؤسفني أن أخبرهم بأن الهدف يصب باتجاهين :
الهدف الأول : الكسب المادي , أي المتاجرة بقضايانا من أجل الكسب المالي ,ودليل ذلك الإعلانات التجارية الكثيرة التي تتخلل هذه البرامج حتى أنني شاهدت أكثر من مرة في منتصف حلقة برنامج يا هلا دعاية .... بعد نقاش ظاهره السخونة !
أما الهدف الثاني : فهو تحقيق الأهداف الإديولوجية والتي منها السعي لتكريس مفاهيم معينة ,وتكوين ثقافة تخدم توجهات فكر معين وتحقيق طموحاته, وهذا الهدف لا يقل أهمية عن الهدف الأول إن لم يكن أهم .