عندما تغيب الأخلاق عن حياة الناس؛ فلا تنتظر إلا الضياع والتشرد والجوع والجهل والفقر والأسوأ الكفر! هذا كله نتيجة طبيعية لبعد المكون الأساس الذي يميز البشر عن غيره، والفشل في تمثل الكينونة الإنسانية التي يعتبر العقل المحرك الأساس لها المعتمد على الوحي والمعول عليه في تلمس طريق الهداية والتمسك به وتنكب طريق الضلالة والبعد عنه. بعيدا عن جدلية نسبية الأخلاق، وهل هي مكتسبة أو فطرية، فإن الفعل على أرض الواقع هو الحكم على مصير هذا الكائن أياً كان منصبه ومستوى تعليمه ونسبه وماله. الفيصل في الحكم على الحاكم أو الوزير أو الأمير أو العالم أو غيرهم هو في مستواه الأخلاقي ممارسة وعلما، ولذا فإن الأوصاف التي أطلقت على أعظم مخلوق صلى الله عليه وسلم هي: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" سورة القلم، و "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ...الآية"سورة التوبة، وفي هذا تأكيد على المكانة العالية للأخلاق، واحتفال بإنجازاتها في حياة الناس، وهو ما يغفل عن الكثير ليس من أعداء الدعوة، بل من أهل الدعوة أنفسهم. كم هو محزن أن نسمع ونرى من يسئ إلى شعبه بظلمهم وبخسهم حقوقهم والاشقاق عليهم بأي صورة من الصور، بإشاعة المنكرات وحمايتها وفرض الضرائب الباهظة وتركهم دون عدة لمواجهة أعباء الحياة، والأعظم من يقتلهم ويملأ السجون بهم! إنه التردي في مكان سحيق من ردئ الأخلاق. وكذلك مؤلم الإساءة إلى المرأة، ذلك الكائن البشري الضعيف المفطور على الرحمة واللين والعطف، فالمرأة هي الأم أو الزوجة أو البنت، أو الأخت، والمعروف من ظاهرها الحرص على الأخلاق، كم هي جناية الإنسان المحروم من إنسانيته الحقة الذي اتبع هواه على بني الإنسان، بل وعلى الجماد والحيوان. وكم هو جاهل من يسيء إلى نفسه، بإبعادها قصداً وقهراً عن فضاء حريتها ونعيمها وربيعها، ويوردها أرضا مقفرة مجدبة بتركه أسباب علوها وإشراقها وسموها. هل بعد هذا يصعب علينا تصور من يسيء إلى من أتى ليتمم مكارم الأخلاق، الموصوف بأنه على خلق عظيم الذي يقول يوم القيامة (أمتي..أمتي)متفق عليه، شفقة عليهم وحبا لهم–صلى الله عليه وسلم- ، يأتي من تخلى عن أدنى مقومات الكرامة والعقل ويسيء إليه بكل بلاهة وجهل. لا يمكن أن نجد من الأوصاف المناسبة لمن هذا عمله إلا قوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) سورة