لم يشدني يوماً أن أدرك حقيقة وتفاصيل مرض مايسمى بالفوبيا إلّا في زمن الربيع العربي والذي تكون أعراضه بإصابة البعض بالرهاب والخوف الشديد والمتواصل من نشاطات أو أشخاص أو أماكن وعادة مايفسره الأطباء بأنها حالة غير مبررة او منطقية.
حالة الفوبيا المرضية أُكتشفتبشكل ملحوظ مؤخراً على مجموعة لابأس بها من أفراد مستقلة أو أحزاب علمانية وليبرالية ذات توجهات ية وقومية وغيرها من مسميات اطلقوها على اتجهاتهم وأيدلوجياتهم. حالة الرهاب والعداء تجسدت ضد الإتجاه الإسلامي وتركزّت على جماعة الإخوان المسلمين في كل مكان خاصة بعد وصولها إلى الحُكم في عدة بلدان كتونس ومصر. وهذا لايُخفي أنها في حالة عداء مع التوجهات الإسلامية منذ عقود بحُكم أفكارها وإعتقاداتها.
أنا هُنا لست لأدافع عن الإخوان المسلمين بل لأهاجم هؤلاء البعض المتشدد – وليس الكل – من تلك الأحزاب فأنا لاأُخفي أنني ترعرعت في بيت ذو توجه قومي عروبي ناصري لككنا والحمدلله لم نصاب بهذا الرهاب والبغض اللامنطقي. فقد دأبت بعض التيارات المُناهضة للتوجه الإسلامي الهجوم بشكل مبرر وغير مبرر بطريقة متخبطة كشفت زيف ديمقراطيتهم وحريتهم وفراغها من الحقيقة والتطبيق فكانوا سبباً أساسياً شأنهم شأن الحركات الإسلامية المتشددة أيضاً في دفع البلاد المتحررة من الأنظمة المخلوعة إلى عدم الإستقرار السياسي والأمني كونهم فشلوا في إقناع الشعوب البسيطة المثقفة بسياساتهم وأفكارهم مما أدى إلى خسارتهم السيطرة على عقول البشر وحكم البلد.
هذا العداء ضد الإخوان لم يكن ظاهراً بالشكل العنفوي إبّان حكم الأنظمة المخلوعة كونهم توافقوا على استعداء هذا التوجه الإسلامي الوسطي المدني المتحضر منذ انخراط جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية التوجه إلى الحياة السياسية إلّا بعد التحرر من الظلم والكبت. وللأسف فبدلاً من تكون تلك الأحزاب والمجموعات لبنة في بناء الدولة والإستقرار عكفت على الهجوم والتخوين والترهيب على أساس حجج هُلامية خرافية إعتادوا أن يعيشوها حتى في مبادئهم.
الإخوان المسلمون و التيارات الإسلامية خاضوا العملية السياسية في أجواء ديمقراطية قلّ نظيرها في الوطن العربي بل وغابت منذ عشرات السنين عن عالمنا العربي في إنتخابات نزيهة وشفافة بشهادة الجميع شارك فيها الشعب بشكل حر فأثمر فوزهم وتصدرهم والتي قوبلت من البعض – وليس الكل للتأكيد- بممارسة إرهاب الفكر ومحاولة نقل الفوبيا للآخرين مُتهمين الشعوب التي صوتت لصالح الفائز بالشعب المُغيب والمغرر من خلال حملات وفبركات إعلامية..
التُهمة الآن هي أخونة الدولة وخاصة في مصر بعد تولي الرئيس المصري محمد مرسي الحُكم في الوقت الذي حرص فيه الرئيس من خلال التنصيب والتعيين أن لا تتحول هذه التهمة إلى حقيقة فما كان نصيب الإخوان من التعيينات إلّا 2% من إجمالي المناصب, فقد عُّين مايقارب 26 إخواني مُقابل 133 من إجمالي المناصب والتعيينات في الوزارات والمحافظ والمجالس وغيرها.. فأبى مصابي رهاب الأخونة إلّا بالتمسك بالتهمة الباطلة.. ومن الغريب في الأمر أن تلك التوجهات العلمانية الليبرالية التي لطالما تغنت بالغرب وديمقراطيته هاجمت حق النساء المتحجبات بممارسة حقهم الطبيعي بعد قرار السماح للمتحجبات بالظهور على القنوات الإعلامية في مصر.
لدرجة أنني تساءلت ماذا لو قام الرئيس مرسي بإبقاء رموز المجلس العسكري وتنصيب شخصيات كأحمد شفيق أو الراحل عمر سليمان في مواقع مهمة في الدولة وتعيين شخصيات لها تاريخ في العداء مع الإخوان بوزارات مهمة فهل سترضى هذه الأحزاب ؟؟ بالتأكيد لا لأننهم ببساطة مُصابون بفوبيا الإخوان.
هذه الجماعات تصفق للتيارات اليمينية والية في دول أوروبا كفرنسا وتهنأ الفائز بالحكم وتعتبرها قمة الديمقراطية ولاتنتقد أي توجه ولا تتهم ذاك يالميمنة ولا هذا بالميسرة, أما في مصر والدول العربية فلا تقبل بديمقراطية لا تتناغم مع أفكارها وتوجهاتها وتتهمها بالأخونة.
هذه الجماعات تؤمن أنه من البديهي لأي حزب في أي مكان أن تكون له حرية النهج والتفكير وأن الفائز في أي إنتخابات سيقوم بتنفيذ أجنداته التي على أساسها نجح. إذ يقوم الحزب الفائز في انتخابات الرئاسة بتعيين أعضاء وممثلي حزبه في كل الوزارات كي تطبق البرامج التي على أساسها إنتخبه الشعب بالأكثرية إلّا في مصر والدول العربية فيعتبرونها إستيلاء وإقصاء. فالأكثرية مثلا في تركيامن الحزب الحاكم في البرلمان والحكومة والمجالس وغيرها وأثبتت نجاحاً لا يمكن إنكاره في العشر سنوات الماضية, كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية فهاهم الديمقراطيين والجمهوريون ذوي السياسات المتناقضة يمارسون الديمقراطية بأحسن صورها.
نعم أدرك الآن أن البعض ينطق باللسان حلاوةً وماهو إلا كالأفعى يلسعُ. وأدرك أن الحضارة التي إستوردتها عقولهم من الغرب ماهي إلا مخلفات الغرب التي لم تأتيهم بمنفع فصدروها لهم. نعم هؤلاء يسعون فقط لمعاداة أي توجه إسلامي قد يكبح شهواتهم وحريتهم التي لاخطوط حمراء لها فلا مستقبل وطن يهمهم ولا إرادة شعب تقنعهم بفشلهم. لذلك فإن على الشعوب العربية أن تقف حصنا منيعا ضد كل من يخترق إرادتها وأن تساعد في بناء مستقبلها المشرق الربيعي ومستقبل الأجيال القادمة مترفعة عن الجهل وأصحابه. أعاننا الله على الأيام القادمة وحمى الله إرادة الشعوب والحمدلله على ماابتلى به أمتنا من مرضى فوبيا الأخونة.