يتساءل الكثيرون من المهتمين بالشأن الشيعي عن المواد العلمية التي تدرس في "الحوزة العلمية" في مدينة النجف، التي تعد العاصمة الروحية والعلمية لطائفة الشيعة. وعندما أجيب السائل يعجب من جوابي! فهو يتصور أن "الحوزة" جامعة دينية واسعة الأرجاء، متعددة الأنحاء. لها بناية كبيرة، في موقع متميز من المدينة. يزدحم جدولها بعشرات الكتب المنهجية، الغزيرة في مادتها، العميقة في طروحاتها، وعلى رأسها مادة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة!!!
باختصار شديد أقول: هذه مجرد تصورات وأوهام لا واقع لها! مصدرها الدعاية والإعلام الذي تميز به الشيعة على مدار تاريخهم.
مكان الدراسة
ليس لـ"الحوزة" مكان معين، أو بناية واحدة، أو عدة بنايات خاصة، مقسمة إلى صفوف لتلقي الدروس، وفيها مكتب إدارة، وحجر أو غرف للأساتذة أو المدرسين، كما هو شأن المدارس أو الجامعات. إنما هي حجرات تنتشر هنا وهناك في بيوت أو سراديب تعود لهذا المرجع أو ذاك، تقع في الدرابين (الأزقة) الملتوية والضيقة في موقع المدينة القديمة. وقد تكون حسينية أو مسجداً، تعقد فيه حلقات على الأرض. كما في "جامع الطوسي" عند قبره في وسط المسجد الواقع في "شارع الطوسي". غير أن المرجع المعروف بشير الباكستاني كان قد استأجر عمارة للتدريس والسكن.
نظام الامتحان (الاختبار)
ليس ثمة نظام للامتحان (الاختبار)، ومنح الشهادة العلمية. وليس من وقت محدد لكل مرحلة، أو (مستوى) كما تسمى. إنما يترك للطالب حرية اختيار الكتاب، والأستاذ الذي يتلقى على يديه دراسته، والوقت المستغرق للانتهاء منه. وقد تطول مدة الدراسة عشر سنين، أو عشرين سنة! وبعضهم تكون غايته التكسب والمعاش؛ فهو يريد للمدة أن تطول.
وهذه الحال منذ تأسيس أو (مدرسة) قبل زهاء ألف عام على يد "شيخ الطائفة" محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (460) هـ.
دعوات للتطوير
شهدت الحوزة خلال العقود الأربعة الماضية دعواتٍ لتطوير طريقة التدريس ومكانها. فيما وجدنا في المقابل إصراراً على ضرورة إبقاء الأسلوب في الدراسة كما هو. وبين هذا الاتجاه وذاك وقف فريق يدعو للجمع بين الأسلوبين. لذلك فإننا نجد من بقي محافظاً على الطريقة القديمة مثل السيستاني، ومنهم – لا سيما بعد الاحتلال - من فضل بناء مدارس خاصة مواكبة للتطور الحاصل في المجتمع. فاليعقوبي بنى "جامعة الصدر الدينية"، واستحدث فيها قسماً للنساء. ومقتدى الصدر بنى مدرسة خاصة. وكذلك فعل الطائي.
قبل بيان تفاصيل المنهج الدراسي أود أن أقيد الملاحظات المهمة التالية:
1. خلو المنهج خلواً تاماً من مادة (القرآن العظيم) بجميع متعلقاتها الشريفة: من التلاوة والتجويد، والحفظ والتفسير، ومعرفة علوم القرآن: مثل أصول التفسير، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، وغيرها من العلوم. فضلاً عن انعدام الاستدلال بالقرآن في الفقه وغيره([1]). بل إن دراسة التفسير في الحوزة تعد "تهمة جهل" تسقط صاحبها من سلم العلم! كما حصل لمحمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير(الميزان). وهو السبب الذي جعل أبو القاسم الخوئي – كما اعترف هو نفسه – يعرض عن هذا العلم([2]).
2. وما يقال عن القرآن الكريم، يقال عن السنة النبوية المطهرة، الأصل الثاني لمعرفة الدين، وأدلة الأحكام الشرعية.
3. وهذا يعني غياب أصل الدين وأساس الهداية (الكتاب والسنة) عن المنهج التدريسي للحوزة، وتأسيسه على الرأي، وليس الوحي.
4. المصادر المعتمدة في درس اللغة العربية، مصادر سنية، لا شيعية. ما يدل على ضعف علماء الشيعة في معرفة الأساس الذي به تفهم نصوص الكتاب والسنة. وما ذلك إلا لسيطرة (العجمة) عليهم.
6. التركيز الشديد على درس المنطق. لتعليم الطالب فن الجدل؛ تعويضاً له عن الفقر الشديد في نصوص الوحي.
7. غياب درس التاريخ عن المنهج غياباً كلياً. إمعاناً في إبعاد الطالب والمجتمع عن معرفة الإسلام من خلال تاريخه. فإن دراسة هذه المادة لا بد أن تتطرق إلى ذكر دور الصحابة والتابعين وعظماء الإسلام في حمل الدين ونشره. ولا بد أن تتطرق أيضاً إلى المعارك الفاصلة كبدر وأحد وحنين وفتح مكة، وحروب المرتدين، والقادسية والمدائن ونهاوند، واليرموك وحطين. ولا بد كذلك من المرور على دور العرب في صنع الحضارة الإنسانية، ونقلها إلى العالم. ومن التاريخ دراسة الفرق ونشوئها، ومنها الفرقة الإمامية واختلافاتها، وكيف تطورت عقائدها، وظهور الفرقة الاثنا عشرية. وهذا كله ما لا يريدونه بحال من الأحوال.
8. ثمة دروس شفهية تدور حول الطعن في الصحابة ورموز العرب والإسلام، وتحريف القرآن، والتهوين من شأن العرب، وتمجيد الفرس. وما شابه. وهذا ثابت عندنا بنقل الأثبات.
تمر الدراسة في الحوزة بثلاث مراحل قبل نيل درجة "الاجتهاد"، هي:
1- المقدمات
2- السطوح
3- الخارج
المرحلة الأولى: دراسة المقدمات:
يقتصر الطالبُ في الدور الأول على دراسة النحو والصرف والعلوم البلاغية والعروض والمنطق والفقه وأصول الفقه وبعض النصوص الأدبية.
ومن الكتب الدراسية المتعارف عليها في هذه المرحلة هي :
في النحو والصرف :
1- الأجرومية : لمؤلفها أبو عبد الله محمد بن داود الصنهاجي المشهور بابن آجُرُّوم (ت:723هـ).
2- قطر الندى وبل الصدى : لابن هشام الأنصاري.
3- ألفية ابن مالك مع شرحها : ولها أكثر من شرح منها شرح ابن مالك، وقد شرح أرجوزة أدبيه وتسمى في الأوساط العلمية شرح ابن الناظم (أي الناظم للأرجوزة) ولعله أفضلها. ومنها شرح ابن عقيل الهُذلي.
4- مغني اللبيب : لابن هشام (صاحب القطر)، يدرس بعض الطلبة هذا الكتاب للتوسع في المصطلحات النحوية والتعمق في النحو، وقد عنت بعض الجهات المختصة في الحوزة فهذّبت هذا الكتاب لعدة أسباب، تجدها في مقدمة مغني اللبيب، سمتها مغني الأديب. وهو كتاب نافع في بابه.
في البلاغة والمعاني والبيان :
1- المطّول : فالبعض من الطلبة يدرس المطول لمسعود بن عمر بن عبد الله التنفتازاني (ت:791هـ).
2- جواهر البلاغة : والبعض يدرس جواهر البلاغة لأحمد بن إبراهيم الهاشمي، وهو من أدباء مصر (ت:1362هـ).
3- البلاغة الواضحة : ويدرسها البعض، وقد اختصرت في الفترة الأخيرة وهذبت.
في المنطق :
1- الحاشية : لملاّ عبد الله.
2- تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية : لقطب الدين الرازي (ت:766هـ).
3- كتاب المنطق : وقد استعاض الطلاب في الفترة الأخيرة عن هذين الكتابين بكتاب المنطق للشيخ المظفر، وهو أحد علماء النجف (ت:1283هـ).
في الفقه :
1- المختصر النافع في فقه الإمامية : للمحقق الحليّّ (ت:676هـ).
2- شرايع الإسلام في مسائل الحلال والحرام : للمحقق الحليّّ أيضاًً.
3- الرسالة العمليّة : وقد تدرس في الفقه في هذه المرحلة مجموعة فتاوي المجتهد الأعلى وقت الدراسة والتي يعبر عنها (بالرسالة العملية).
في أصول الفقه :
1- معالم الأصول : لنجل الشهيد الثاني (ت:1011هـ).
2- أو دروس في علم الأصول : للسيد محمد باقر الصدر.
3- أو أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر : صاحب كتاب المنطق المتقدم ذكره.
وقد يجمع بعض الطلبة بين أكثر من كتاب في آنٍ واحدٍ.
المرحلة الثانية : دراسة السطوح :
في الدور الثاني يتفرغ الطالب لدراسة الكتب الاستدلالية الأصولية والفقهية والفلسفية.
وأسلوب الدراسة المتعارف عليه في هذا الدور هو أن يحصل الاتفاق على الكتاب المتخصص بهذا الفن أو ذاك. فيقرأ الأستاذ مقطعاً من الكتاب ثم يشرح الموضوع بما يزيل عنه الغموض والإبهام، ثم يستعرض بعض النقوض التي ترد عليه ويستمع بعد ذلك لما يثيره الطلبة من تعليقات، فيصحح آراءهم إذا كانت بحاجة إلى التصحيح، أو يتنازل عندها إذا كانت آراؤهم جديرة بذلك.
وتتسم هذه المرحلة الدراسية بالطابع الاستدلالي.
ومن الكتب التي تدرس في هذه المرحلة :
في الفقه :
1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : الأصل للشيخ محمد بن جمال الدين مكي العاملي المشهور بالشهيد الأول (ت:786هـ). والشرح لزين الدين العاملي المشهور بالشهيد الثاني (ت عام 965هـ).
2- المكاسب : للشيخ مرتضى بن محمد أمين التستري الأنصاري (ت:1281هـ). وهو ثلاثة أقسام "المكاسب المحرمة، والبيع، والخيارات".
في الأصول :
1- كفاية الأصول : للشيخ محمد كاظم الخراساني المعروف بالأخوند (ت: 1329هـ).
2- الرسائل (فرائد الأصول) : للشيخ الأنصاري صاحب المكاسب.
3- حلقات الأصول : وقد أعتيد أخيراً دراسة الحلقات للسيد محمد باقر الصدر.
في الفلسفة :
1- تجريد الاعتقاد : لنصير الدين الطوسي (ت:672هـ).
2- فلسفتنا : للسيد محمد باقر الصدر.
3- بداية الحكمة ونهاية الحكمة : وقد اعتاد الطلاب في العقدين الأخيرين على دراسة بداية الحكمة ونهاية الحكمة للسيد محمد حسين الطباطبائي.
المرحلة الثالثة : مرحلة البحث الخارج :
سميت المرحلة الثالثة بمرحلة البحث الخارج لأن الدراسة فيها تتم خارج نطاق الكتب التي يعتمدها الأستاذ في تحضير مادته في مرحلة البحث الخارج. فينتقل الطالب بعد المرحلتين السابقتين في الحوزة إلى الدور الأخير من حياته الدراسية.
مسئولية الطالب في هذه المرحلة :
في هذا الدور الدراسي، تقع مسؤولية التحضير والإعداد على الطالب نفسه، من غير أن يتقيد بمصدر علمي خاص فيقوم الطالب – معتمداً على نفسه قبل أن يحضر المحاضرة - بإعداد مادة المحاضرة من فقه وأصول وغيره، ثم مراجعة أقوال العلماء في هذه المادة أو تلك وما يمكن أن يصلح دليلاً لها، وبما يمكن أن يناقش به هذا الدليل، ثم يحاول الطالب أن يستخلص لنفسه رأياً خاصّاً في هذه المسألة.
فإذا فرغ من هذا الإعداد حضر البحث الخارج، والبحث الخارج حلقات دراسية يقوم برعايتها كبار علماء الحوزة. وقد يكون هناك أكثر من حلقة في نفس الوقت، فيختار الأستاذ بحثاً فقهياً أو أصولياًَ أو في فن آخر من الفنون العلمية، يلقيه على شكل محاضرات. وقد تكون للأستاذ (المجتهد) محاضرتان في اليوم، فتخصص المحاضرة الصباحية للفقه مثلاً وتكون مادة أصول الفقه موضوعاً للمحاضرة المسائية أو العكس. وهناك من الأساتذة المجتهدين من يقتصر على مادة واحدة.
رابعاً: درجة الاجتهاد
عندما يبلغ الطالب مرحلة الاجتهاد، ويطمئن الأستاذ إليه في البحث والاستنباط وصياغة الدليل والجمع بين الأحاديث ووجوه الرأي ومناقشة الأقوال يشهد له بالاجتهاد، فينتقل الطالب بعد قطع هذه المرحلة الطويلة التي تستغرق ما يقارب ربع القرن، يستقل بالاجتهاد وإبداء الرأي والتوجيه.
مستويات المراحل
تقسم المرحلة الدراسية إلى مراحل جزئية تسمى كل واحدة منها بـ(المستوى). يدرس فيه الطالب كتباً محددة، إذا أتمها انتقل إلى (المستوى) الذي يليه.
1. (مستويات) مرحلة (المقدمات)
تتضمن المرحلة الأولى (المقدمات) أربعة (مستويات) دراسية، هي:
المستوى الأول
ومن الكتب التي تدرس فيه :
أ. الأجرومية لابن آجروم الصنهاجي. موضوع الكتاب: نحو.
ب. تبصرة المتعلمين في أحكام الدين تأليف: جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر المعروف بالعلامة الحلي. موضوع الكتاب: فقه.
ج. عقائد الإمامية، لمحمد رضا المظفر.
المستوى الثاني
ومن الكتب التي تدرس فيه:
أ. قطر الندى. لابن هشام. موضوع الكتاب: نحو
ب. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام/ ج1، للمحقق الحلي. الموضوع: فقه
ج. مراح الأرواح أو شرح النظام. تأليف: الشيخ جاسم البصير. الموضوع: صرف
د. شرح ميزان المنطق. تأليف: عبد الله بن إله داد العثماني، التَّلنبي. الموضوع: منطق
المستوى الثالث :
ومن الكتب التي تدرس فيه:
أ. شرح الألفية لأبن الناظم. موضوع الكتاب: نحو
ب. حاشية الملا عبد الله تأليف: الملا عبد الله. موضوع الكتاب: منطق
ج. شرح الشمسية. تأليف: نجم الدين عمر بن علي القزويني الكاتبي. الموضوع: منطق
د. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام/ج2. المؤلف: المحقق الحلي. موضوع الكتاب: فقه
هـ. (المنطق) للمظفر (القسم الثالث منه فقط). المؤلف : محمد رضا المظفر. موضوع الكتاب: منطق
ب. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام/ج4،3. المؤلف : المحقق الحلي. موضوع الكتاب: فقه
2. (مستويات) مرحلة (السطوح)
المستوى الأول:
من الكتب التي تدرس فيه:
أ. معالم الدين وملاذ المجتهدين المقدمة في أصول الفقه. تأليف : جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي. (ت:1011 هـ). موضوع الكتاب: أصول فقه
ب. أصول الفقه. تأليف: محمد رضا المظفر
أو : القوانين. تأليف: الأصفهاني. موضوع الكتاب: أصول الفقه
ج. تجريد الاعتقاد. تأليف: الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (ت:672هـ). موضوع الكتاب: فلسفة
د. سلم العلوم. تأليف: محبّ الله بن عبد الشّكور البهارى (ت:1119 هـ). موضوع الكتاب: منطق
المستوى الثاني:
من الكتب التي تدرس فيه:
أ. اللمعة الدمشقية. محمد بن جمال الدين مكي العاملي. موضوع الكتاب: فقه
ب. كفاية الأصول/ج1. تأليف :الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني (ت:1277هـ). موضوع الكتاب: أصول الفقه
ج. رسائل الشيخ الأنصاري. تأليف: مرتضى الأنصاري. موضوع الكتاب: فقه
د. منظومة في المعقول. تأليف: الملا هادي السبزواري. موضوع الكتاب: فلسفة
هـ. كفاية الأصول/ج2. تأليف :الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني (ت:1277هـ). موضوع الكتاب: أصول الفقه
و. مكاسب الشيخ الأنصاري. تأليف: مرتضى الأنصاري. موضوع الكتاب: فقه
([1]) حاول الشيخ محمد اليعقوبي الخروج عن هذا التقليد، فاستحدث – بعد الاحتلال – تدريس بعض علوم القرآن في حوزته. وله كتاب (شكوى القرآن) ينعى فيه على الحوزة تغييبها القرآن عن منهج الدراسة. ومما جاء فيه: (ومنشأ هذه الشكوى إعراض مجتمعنا المسلم حتى الملتزمين(9)منهم عن تلاوة القرآن والاهتمام به وتدبر آياته فضلاً عن إعطائه دور الريادة والإمامة في الحياة ليكون هو النبراس والدليل الذي يهتدي به المهتدون في جميع تفاصيل الحياة، حتى عاد منسياً عندهم ولا يذكرونه إلا قليلاً.
وفي الهامش رقم (9) أعلاه يقول اليعقوبي ما نصه: )استقرأت عدداً من العينات العشوائية - وكانوا من الطلبة المتقدّمين للقبول في الحوزة الشريفة - لاستبيان علاقتهم بالقرآن. والمفروض أنهم يمثلون درجة من الوعي والإيمان الذي دفعهم لاختيار هذا المسلك فوجدت أن بعضهم لم يختم القرآن ولا مرة! وآخر ـ وهو متصدي للمنبر ـ ختمه مرتين في حياته. والكثير منهم يقرآ سوراً متفرقة في المناسبات والمواسم الدينية. هذا على صعيد تلاوته. أما فهمه واستيعاب معانيه والتأمل في مفاهيمه ومضامينه فالجهل هنا مطبق).
ثم قال اليعقوبي بعد صفحات تحت عنوان: (مسؤولية الحوزة في إعادة القرآن): (وأعتقد أن أول شريحة في المجتمع تقع عليها المسؤولية هي الحوزة الشريفة بطلبتها وفضلائها وخطبائها وعلمائها لان صلاح المجتمع من صلاح الحوزة وفساده بفسادها والعياذ بالله... وقد قلت في بعض كتبي(وصايا ونصائح إلى الخطباء وطلبة الحوزة الشريفة): (انه من المؤسف حقا غياب القرآن عن مناهج الدراسة الحوزوية فقد نظمت بشكل لا يحتاج فيه الطالب إلى التعمق في القرآن الكريم من أول تحصيله إلى نهايته. ولا يمر به إلا لماما عند الاستدلال على قاعدة نحوية أو مبحث أصولي أو مسألة فقهية. فأصبح مسرحا للتدقيقات العقلية، ولم يتخذ غذاءً للقلب والروح ودواء للنفس. وربما يبلغ الحوزوي مرتبة عالية في الفقه والأصول وهو لم يحيَ حياة القرآن ولم يخض تجربة التفاعل مع القرآن واستيعابه كرسالة إصلاح. وقد تمر الأيام والأسابيع ولا تجد طالب العلم يمسك المصحف الشريف ليتلو آياته ويتدبر فيها لعدم وجود صلة روحية عميقة بينه وبين القرآن. ولو وجد فيه زاده وغذاءه الذي يغنيه عن غيره لما استطاع تركه, وهذه مصيبة عظيمة للحوزة والمجتمع وربما لا يحسن بعضهم قراءته مضبوطةً بالشكل, ولما كانت رسالة الحوزة الشريفة التي تصدت لحملها هي إصلاح المجتمع وتقريبه إلى الله تبارك وتعالى فان أول مهمة لهم هي فهم القرآن والسعي إلى تطبيقه).