[lef[/left]/ استوقفتني هذه العبارة العفوية الحانقة لأحد المعلِّقين على «حادثة كارفور» بمجمع غرناطة التجاري بالرياض, إذ قام فيها متسوق أميركي بضرب الشاب السعودي الذي اعترض على مضايقته للفتيات, ثم جذبه بقوة ودفعه إلى السياج الحديدي فشُجّ وجهه, وفرّ هاربا تحت أنظار المتسوقين وحراس الأمن! هذا المعتدي لو اكتفى بما فعله من تحرش وضرب للمواطن وفرار لما تجاوز تصرفه إطار حوادث الاعتداء التي قد تحدث بأي مكان, ولكن غطرسته وصراخه المستفّز: «أنا أميركي» أعطى للقضية أبعادا أخرى وترك مشاعر غضب واسعة لدى السعوديين.
وأذكر قبل مدة أني قرأت عن حادثة مشابهة في الإمارات, حين اعتدت امرأة غربية بالشتائم والضرب على مواطنة إماراتية في أحد الأماكن العامة لمجرد أنها طلبت منها احترام دين البلد وتقاليده بتغطية بعض أجزاء جسدها «شبه العاري»! هنا وبنقاط بسيطة أختصر شيئا مما أثارته حادثة كارفور في نفسي من مشاعر, وما بعثته داخلي من تساؤلات: هل يمكن تقبّل ما جرى كحادثة عرضية عابرة؟ بالطبع لا! فالموقف له دلالات عميقة يجب أن تُفهم وتُصَحّح. ما الذي دفع بذلك الغربي الأهوج لعدوان كهذا واستخفاف بكرامتنا؟ لولا واقع مؤلم ومُهين صنعناه بأيدينا وصورة شاركنا معا برسمها -على المستوى السياسي والشعبي- لذاك الغربي ولنا كمسلمين وعرب! ألسنا نحن من ينبهر دوما بهم وننجرُّ بالتبعية خلفهم؟ ألسنا نحن من نطبّل عبر إعلامنا الفاسد لهم ونروج لثقافتهم ونتلقف أسوأ ما لديهم ونتغافل عن مساوئهم. في الوقت الذي نحقّر فيه أنفسنا وننسلخ عن هويتنا الدينية والثقافية؟!
ذكرني ما تعرض له أخانا بتاريخ أميركا القديم والحديث في الإرهاب والدموية والاستبداد وازدراء الشعوب, تذكرت كم تجرع المسلمون من الإجرام والإذلال الأميركي! ومن يمكنه أن ينسى تلك الصور المخزية لعربدة الكفر والهمجية والحقد الأميركي في أفغانستان والعراق وغيرهما! تلك اليد التي اعتدت في الرياض حركتّها ذات الثقافة والطبيعة الأميركية المتعجرفة القذرة التي تتحرك وتسعى بالأذية والسوء للمسلمين بأشكال عدة في دينهم وأرواحهم وأموالهم.
ما كان ذلك الأميركي المعتدي ليتجرأ ويفعل ما فعل لو توقع للحظة أنه قد يتعرض للمساءلة أو العقاب أو قد يصدر بحقه ما صدر بحق المبتعث السعودي حميدان التركي الذي تم الحكم عليه -ظلما- بالمؤبد ثم السجن عشرين عاما في أميركا بتهمة ملفقة وهي الإساءة لعاملته المنزلية! ولكنه يعلم أن السعودي, بل المسلم لن يجد له كالعادة حكومة تنتصر له! وها هي حكوماتنا تصدر أحكام عفو عن أميركيين وغربيين متهمين بجرائم تفجير وقتل وترويج للمخدرات والخمور في بلادنا, فيما لا يقابل ذلك إلا مزيد من المواقف المتعنتة من الحكومة الأميركية ضد المسلمين على أرضها وخارجها. بل لا نجد ذلك الاهتمام من حكوماتنا بقضايا شبابنا السعوديين والخليجيين في السجون الغربية وما يتعرض له المسلمون إجمالا من عنصرية في المجتمع الأميركي والغربي عموما. فكيف لا يتغطرس الأميركي ويشعر بالفوقية والحصانة, وقد فرضت دولته احترامه على مجتمعات العالم واحترمت حقوقه قبل ذلك وحفظتها داخليا. فيما يعاني المسلم هدر إنسانيته وحقوقه في وطنه وخارج حدوده!
ما الذي يمنع بلادنا ودول الخليج عموما من مطالبة أميركا بمعاملة عادلة! ألا يأتي الأميركي دولنا فيجد الحفاوة والتبجيل وتُفتح أمامه أعظم فرص العمل وأبواب المؤتمرات السياسية والاقتصادية والتعليمية, حتى إن كان ممن يحمل فكرا وآراء معادية للإسلام والعروبة, فيما يلقى الكثير من دعاتنا ومثقفونا الشرفاء تضييقا أميركيا ومنعا لهم من دخول أراضيها لمجرد اعتراضهم على السياسة الصهيوأميركية في فلسطين وبلاد المسلمين! من يتابع الصمت المطبق لصحفنا الرسمية وبعض الفضائيات المحسوبة على بلادنا عن حادثة ضرب المواطن السعودي يتأكد لديه كم جمعت تلك المؤسسات المريضة من الأوبئة! كيف يتجاهلون قضيةً بجرائم مضاعفة كهذه: «تحرش بمواطنات, واعتداء على مواطن, وإهمال من قبل الحراسات الأمنية؟» أم لأن المجرم ينتمي لسيدتهم أميركا! تخيلوا معي لو أن أحد رجال الهيئة هو من اعتدى على المواطن لكانت صحفنا الصفراء وفضائيات الإفساد تشتعل منذ أيام وتأبى إلا ممارسة عاداتها الذميمة المعتادة من تضليل وتصعيد وظلم وفبركة وإيغار صدور ضد الحسبة ورجالاتها, كم تتوالى الأحداث لتُسقط الأقنعة عن ثقافة العار والضمائر الميتة!
المصدر: العرب القطرية