منذ ست سنوات والسوق المالية بعد انهيارها المدوي آنذاك وهي تعيش توعكات متتالية لا تكاد توحي بشيء من التعافي من أوصابها حتى يعتريها وهنٌ جديدٌ.. ومع ذلك، وعلى مدى تلك الفترة الطويلة نسبياً مقارنة بعمر السوق السعودية نفسها، ما زال زبائن جدد يأتون بلا جراح سابقة، غير مبالين بما يقوله لهم السابقون ممَّن اكتووا بنارها ليتجرّع هؤلاء الجدد المرارة، ضاربين كفاً بكف على سوء الاختيار للاستثمار وسوء المنقلب في الحال، وهكذا دواليك.
لقد قيل في هيئة سوق المال والسوق نفسها ما لا قلم يجد مزيداٍ من القول لكي يقوله: عن إدارتها العُليا، قواها البشرية المتخصّصة، قواها الفنية والاستشارية والإعلامية، إلى الشروط والمحدّدات والضوابط المالية والمحاسبية والقانونية والحوكمة والشفافية وأساليب التداول، وما هبّ وما دبّ من تغيُّر اللغة وشواردها.. لكن كل هذا السيل العرم من الكتابات وهزيم رعد حديث المجالس والدواوين في تحليلها وتصويبها لأداء السوق ظلت في وادٍ والهيئة وسوقها في وادٍ آخر.
لا نقول هذا الرأي في موقف سلبي ضدّ الهيئة أو جهازها، بقدر وضعنا لما هو واقع حي معاش لا يستدعي حساسية بقدر ما يستدعي نقداً ذاتياً ينبغي للهيئة أن تخضع نفسها له بشكل صارم على أسس موضوعية علمية يُفترض أنها أعرف بمعاييرها، أما إذا خشيت من أنها قد لا تقوى على التشخيص والتمحيص ودراسة تاريخها ووضعها الراهن، فلتلجأ لمحكمين متخصّصين بتقييم أداء هيئات أسواق المال وتقويمها.
إن الهيئة لو قُدِّر لها أن ترسم رسماً بيانياً يوضح أداء السوق خلال الأعوام الستة الماضية، فلسوف يُبرز المسار منحنيات النزول أكثر من منحنيات الصعود التي قد تطل لحين قصير لتختفي على المدى الأطول.. ولعل ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين من تراجع ظل يزداد حدة، وصل معه المؤشر إلى أدنى نقطة عند 6979 الثلاثاء الماضي، كأقرب مثال على هذا المستوى المتدني لأداء السوق، خصوصاً وقد تراجعت جميع القطاعات ما عدا قطاع التجزئة، مع أنه لم يحقق سوى ارتفاع طفيف، فيما تراجعت القطاعات الأساسية، مثل: التأمين، الاستثمار، النقل.. وغيرها. وليس هذا الأداء المتدني استثنائياً بقدر ما هو أشبه ما يكون بسمة اتسمت بها السوق، ما يعني أن السوق المالية التي كان يؤمل فيها أن تكون مجالاً لاستثمارات الأفراد ممّن لا يفضّلون إدارة مدخراتهم بأنفسهم في استثمارات خاصّة بهم، بحكم أنهم لا يجيدون ذلك أو لا يميلون إليه، وأنها - أي السوق- يُفترض أن تكون مجالاً للاستقطاب، فقد حدث عكس المتوخى منها على هذا المستوى، وباتت قامعةً لشهية الإقبال على الاستثمار فيها، ولسان حال مَن تداولوا فيها يقول ''اليد المضاربة أقوى من اليد المستثمرة''؛ لأن هذه الأخيرة حين تشتري أسهماً بقصد الاستثمار تُفاجأ بالتآكل السعري على نحو مفاجئ غامض.
وإذا كان هذا هو حصاد قناعة المتداولين، تبقى مسألة التناقض بين مستوى أداء السوق ومستوى اقتصادنا الوطني.. فكيف يتفق الداخل والخارج على أن المملكة تتمتع باقتصاد قوي، فيما تقول سوقها المالية ما يشير إلى عكس ذلك؟ وكيف يُراد للسوق أن تكون وسيلة مثلى لتعبئة الموارد.. وحشد التمويل وهي ثقبٌ أسود؟ وحتماً حل هذا اللغز أو هذه الأحجية ليست عصية.. فدون أي جدال، رضيت هيئة السوق أم لم ترضَ، فاقتصادُنا الوطني بألف خير.. وعليها ـــ أي هيئة سوق المال ـــ أن تكون هي خيرٌ لخيره.. في أن يكون مؤشرُها دليل قوة لا دليل هزال، يبرهن ويمثل قوة اقتصادنا من ناحية، ويثبت أهمية السوق بلعب دورها الأساس في تعبئة الموارد، فهي في وضعها الراهن.. في حال لا تسر!!