خطبة جامع قرطبة عنيزة 27/4/1434هـ
أيُّها المسْلِمُونَ ، إن الأمْنَ في الأوْطَانِ مَطلَبُ ضروريٌّ ، حَيَاةٌ بِلا أمْنٍ لا تُسَاوِي شَيئًا، إذا اختلَّ الأمنُ ـ عياذًا بالله ـ ظهرت الفتَن ، وتزلزلت الأمّة ، وعمّت الفوضى ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال. وتأمّلوا بلدانًا من حولِكم اختلَّ فيها الأمن ، فهلك فيها الحـرث والنّسل، وفسد المعاش ، وهو السرُّ في قولِهِ سُبْحَانَهُ بعضِ القرى: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، فالخَوفُ والجُوعَُ إذَا اجْتَمَعَا فإنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرِّ عَذَابِ الدُّنْيا ؛ لأنَّ الخَائِفَ إذَا كَانَ عِندَهُ مَا يَقْتاتُ بهِ أَمِنَ أو اسْتَخْفى، ولأنَّ الجَائعَ إذَا كانَ يَعيشُ آمِنًا اسْتَطاعَ أنْ يَسيرَ في الأرْضِ ويَطْلُبَ الرِّزْقَ، فإذا اجتمعا هلكَ وهو جائعٌ خائفٌ فلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *لَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ، فنعمةَ الأمن جزءٌ عظيم لا يتجزّأ من الإسلام. ولا يُعمل بشعائر الدين إلا في ظلِّ الأمن ،. ولَقَدْ عَاشَتْ هَذِهِ البلادُ سابقاً صُورًا مِنَ الجوعِ والخَوْفِ ، لم يَكُنْْ للمَرْءِ أنْ يَتَصَوَّرَهَا الآنَ ، لكِنْنا الآن نعيشُ في بلدِنا أمْنًا مُتَّسِعَ الأطْرَافِ هيأه ليكونَ مَقْصِدًا لطُلاَّبِ الرِّزْقِ والعَمَلِ ؛ وذلك بسببِ تحكيمِ حكامُها للشريعةِ في أمورِ الناسِ الني يختلفونَ ويتنازعونَ فيها عن طريقِ المحاكمِ الشرعيةِ تحقيقاً لوعد الله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً . وبسببِ التزامِ شعبِها بخلافِ أكثرِ شعوبِ الأرضِ بعقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ التي تلقوها عن علمائِهم بلزومِ الجماعة والسمعِ والطاعةِ لولاةِ أمورهِم على المنشطِ والمكره وأثرةِ عليهم ، وأَنَّ في أعناقهِم بيعةً لولاةِ الأمورِ لا يحلُ نزعهُا أعطاها سلفُهم للنبيِ ، قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". ولأنَ النبي قال لهم :"مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ".
- ومن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ التي تلقاها أهلُ هذه البلادِ عن علمائِهم أنَّ وقوعَ المظالمِ والاستئثارَ ليس مبرراً شرعياً لتعكير أمن المجتمع بأي طريقةٍ كانت ، فالأمنُ في الإسلامِ يجبُ أنْ يقفَ دونَه الجميعُ ، ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : (سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ). وقالَ عن الأمراءِ الذين يمنعونَ الحقوقَ ويسألونَ الناسَ حقَهم كاملاً غير منقوص : "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ" رواه مسلم. وقال : " أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ) .
- ومن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ التي تلقاها أهلُ هذه البلادِ عن علمائِهم منابذتُهم لكلِ من يدعو للخروجِ على الجماعةِ ؛ لأن نبيهم حذر عن ذلك تحذيراً شديداً كما قال : "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيْرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" متفق عليه، وقال : "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ رواه مسلم.
- ومن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ التي تلقاها أهلُ هذه البلادِ عن علمائِهم معرفتهم أن للولاةِ من الاجتهادِ ما ليس لغيرِهم ، وإن أخطأوا في ذلك فلا يجوزً أن يظهرَ الإنسانُ منابذتَهم ويهينَهم ، ففي مسلمٍ عَنْ عَوْفِ ابن مَالِكٍ ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلا فَأَرَادَ سَلْبَهُ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بن الْوَلِيدِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ ، فَأَتَى الرجلُ رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ:"يَا خَالِدُ , مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلْبَهُ؟", فَقَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ :"ادْفَعْهُ إِلَيْهِ"، فَمَرَّ خَالِدٌ بالرجلِ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ، وَقَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَاسْتُغْضِبَ ، وَقَالَ : "لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا أُمَرَائِي ؟ إِنَّمَا مِثْلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى إِبِلاً فَرَعَاهَا ، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا ، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ ، فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ". فانظر كيف منع النبي الرجل من حقه في الغنيمة لمّا راغم الأمير ولو كان الأميرُ مخطئاً. لذلك التزم الصحابة بهذا الهدي فصلوا خلفَ الحجاجِ المبير والمختارِ الكذاب ، ومنعوا من الخروج على يزيد بن معاوية مع ما كان منه ظلمٌ عظيمٌ الذي منه استحلالٍ المدينة ثلاثة أيام ، وسجنَ الإمامُ أحمدُ وضربَ مع كونِ الحاكمِ يدعوه إلى قولٍ كفريٍّ في الاعتقاد ، فلم يجبْ بل لازم السنةِ ، لكنه لم يفارقِ الجماعةَ فصار إمامَ أهلِ السنةِ بلزومها ، وإمام الجماعةِ بمنع الخروج عليها ، وقالَ لمن أردوا الخروج : "أما علمتَ ما كان الناسُ فيه يعني أيامَ الفتنةِ ؟ فقيل : والناسُ اليوم أليس هم في فتنةٍ يا أبَا عبد الله ؟ قال : وإنْ كانَ ، فإنما هي فتنةٌ خاصةٌ ، فإذا وقعَ السيفُ عمتِ الفتنةُ ، وانقطعتِ السبلُ ، الصبرُ على هذا ، ويسلمُ لك دينَك خيرٌ لك". فعليكم عباد الله بالجماعةِ فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعةِ ومن شذَّ شذَّ في النار.
- أيها المسلمون ومن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ أنَّ نزعَ اليدِ والخروجِ على السلطانِ يكونُ بثلاثةِ طرقٍ:
* الأول الخروجُ بالاعتقادِ : بأن يعتقدَ عقيدةَ أهلِ البدعِ في بابِ الإمامةِ ، فلا يعتقدُ إمامةَ إمامِه بسببِ بعض الشبهاتِ الفاسدة التي يروجُ لها بعضُ أهلِ الضلالِ ، ومن ذلك : مخالفةُ أهلِ السنة بعقيدةِ طرقِ نصبِ الإمامِ الثلاثِ التي أجمع عليها أهلُ السنةِ والجماعةِ : احدها : البيعةُ من أهلِ الحلِ والعقدِ كبيعةِ أبي بكر . الثانية : أنْ يعهدَ الحاكمُ لرجلٍ يخلفُه كتولية أبي بكر لعمر . الثالثة : الاستيلاءُ بالقهرِ والتغلبُ بالسيف كولايةِ عبدِ الملك بنِ مروان التي لم يتوقف أحدٌ من الصحابةِ بيعتِه لمّا صارتْ له الشوكةُ.
* النوع الثاني من الخروجِ الخروجُ باللسانِ : وقد ظهر ذلك في عهدِ النبيِ حين قال أولُ الخوارجِ للنبي حين قسمَ غنائمَ حنينٍ "هذه قسمةٌ ما أريدَ بها وجهُ اللهِ" قال الشيخ العلامةُ محمدُ العثيمينَ -رحمه الله-: (وهذا أكبرُ دليل على أن الخروجَ على الإمامِ يكونُ بالسيفِ ، ويكونُ بالقولِ والكلامِ ، يعني: هذا ما أخذَ السيفََ على الرسول ، لكنه أنكرَ عليه). بل قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله- مبيِّنًاً خطورةَ اللسانِ: (ما يُفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تُفسده اليدُ".
* النوعُ الثالثُ من الخروجِ الخروجُ بالسلاحِ : وهو الذي حذر النبي منه تحذيراً شديداً ، وحذرَ من الخوارجِ لأنهم اشتهروا ببدعةِ التكفيرِ واستحلالِ دماءِ أهلِ القبلةِ حتى أمر بقتلهم وقتالهم ولمّا خرجوا على عليِّ بنِ أبي طالب ؛ فقالوا في قضيةِ التحكيم المشهورة : (لا حكمَ إلا للهِ)، قال عليٌّ : "الحُكْمُ للهِ ، وَفِيْ الأَرْضِ حُكَّامٌ ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُوْلُوْنَ : لاَ إِمَارَةَ"..
ولذا عباد الله فمن أعظم وسائلِ الخروجِ باللسانِ على الأئمةِ عندنا اليوم أمران :
* الأول : نشرُ المعايبِ وكتمُ المحاسنِ: باللسانِ عن طريقِ الكلماتِ في المجالسِ والمقاطعِ المرئيةِ. أو بما يُعبرُ عن اللسانِ بالقلمِ عن طريقِ الكتبِ أو الصحفِ الورقيةِ أو المواقعِ الإلكترونيةِ ومواقعِ الاتصالِ الاجتماعيِ إذا تضمنَ الطعنَ في ولاةِ الأمرِ والدعوةَ لنزعِ اليدِ من الطاعةِ فهو نوعٌ من الخروجِ على الجماعةِ وصاحبُه مشاركٌ ومعينٌ على كلِ فتنةٍ تظهرُ ودماءٍ تراقُ : روى ابن أبي شيبة أن قد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قال : "لا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ". فَقَيلُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِه". فعبد الله بن عُكَيْم لم يزد على أن ذكرَ مساوئ عثمان -رضي الله عنه-, ولكنه اعتبر ذلك من الإعانةِ على دمِه.
* الثاني : الدعوةُ للمظاهراتِ عن طريقِ هذه الوسائلٍ السابقةِ والقيامُ بها ذا كانت إذا كانت مراغِمَةً للحاكمِ وداعيةً إلى الخروجِ عليه فهي خروجٌ حقيقيٌ عن الجماعةِ لدخولها في قول النَّبِيِّ قَالَ : (مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) ، وقوله : (ومنْ خلعَ يداً منْ طاعةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ). والذي شهدناه أن بعض شعارات المظاهراتِ التي سمعنا بها هذه الأيام في بلادنا تضمنتْ هذا النوعَ من الخروجِ أقصد بالاعتقادِ واللسانِ وتضمنت الدعوة للخروج بالسلاح ، حين تدعوا بعضُ النساءِ شبابَ الجزيرةِ والمشايخَ والقبائلَ بأحدِ التجمعاتِ بقولها: (الطواغيتُ لا يعرفونَ إلا لغةَ القوةِ ، ولا يمكنُ أن تُقابلَ قوةٌ مسلحةٌ بمسالمٍ أعزل) ، وتقول أخرى وهي تخاطبُ أسودَ التوحيدِ وكلَّ غيورٍ: (متى تتحركونَ متى تتحركونَ). ، وحين ترددُ إحداهُن بيدِها لرجالِ الأمنِ وكأنها تخاطبُ أبا جهلٍ وأبا لهبٍ : "اللهُ مولانا ولا مولى لكم". وحين يضعنَ على صدرِ طفلٍ برئٍ لوحةً كتب فيها " اليومَ سلميةٌ وغداً دمويةٌ" ، فيخرج الشباب بالشوارعِ ملوحينَ بقبضاتهم بعباراتٍ مثل : "سنفجرُ الأرضَ من تحتِ أقدامِكم" ، وعبارةِ "الدماءُ دونَ الأعراضِ" ، فهذه وإن كانت حالات خاصة مصورة لبعض التجمعات فإن النار من مستصغر الشرر ، خاصة إذا علمنا أن القاعدة أصدرت بياناتها باستغلال هذه المظاهرات ، وأقامت التجمعات في عدة دول نصرة للمتظاهرات زعموا. لذا يجب أن يُعلمَ أن النبي أمر بالأخذ على أيديْ السفهاءِِ حتى لا تخُرقَ السفينةِ ، حين قال عمّن يريد تمزيقَ شملِ الوحدةِ ونشرِ الفوضى : "إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهْىَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ".
الخطبة الثانية :
عباد الله إن قضيةَ الموقوفينَ ليست هي السببُ الأساسُ فيما يحصلُ من مظاهراتٍ واعتصاماتٍ ، لكنها استغلتْ لاستنهاضِ الناسِ للخروجِ على ولاةِ الأمرِ : فإننا - وللهِ الحمدُ - من خلالِ مشاركتِنا في لجانِ المناصحاتِ منذُ أكثرِ من ثمانِ سنينَ واطلاعِنا على أحوالِ الموقوفينَ عن قربٍ ومباشرةً كاتَبنا ولاةَ الأمرِ قديماً منذ سنين بما علمنَاه من حلٍّ لهذِه المشكلةِ دونَ تشغيبٍ أو رياءٍ ، وقد حصلْت الاستجابةُ واضحة لنا ؛ حيث إنه قد خرجَ منذُ ذلكَ الوقتِ ما يقاربُ الثلثينِ من الموقوفينِ : لكني أريد أن أبيّن أنَّ دعاةَ الشرِ سلكوا للتمردِ طرقاً متعددةً قبلَ الوصولِ لهذه القضية :
* الأول : أن الفاسدينَ كأمثالِ الفقيهِ والمسعري كانوا منذُ سنينَ يحاولونَ نشرَ المظالمِ التي يكذبونَ معها مائةَ كِذْبةً كالشياطينِ محاولةً لنشرِ المظاهراتِ في البلادِ حتى كان الفقيه الضالُ يحددُ أماكنَ المظاهراتِ كلَّ فترةٍ منذ دهرٍ طويلٍ عن طريقِ قناتِه فلا يستجيبُ له أحدٌ ، لوعي الناسِ ومعرفتِهم بأهدافِه الدنيئةِ.
* الثاني : لمّا ظهرَ ما يسمى بالربيعِ العربيِ تواصلَ هؤلاءُ المفسدونَ عن طريقِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ للدعوةِ لثورة ضدَ ولاةِ الأمرِ أسموهَا : "ثورةَ حنينٍ" ، فشاهتْ وجوهُهم وابيضْت وجوه أهلُ السنةِ بعدمِ استجابةِ أهلِ هذِه البلادِ لسفهِهم بل استمعوا لكلامِ علمائِهم وعقلائِهم.
* الثالث : ثم فكر هؤلاء الفاسدونَ بشيءٍ يتعاطفُ به معهم الكثيرُ من الناسِ ويدغدُ مشاعرَهم ، فلجأوا إلى قضيةِ الموقوفينَ - الذين أكثرُهم لم يوقفوا إلا بسببِ فتاوى أمثال هؤلاءِ الفاسدينَ سابقاً - فبدأوا بتعبئةِ الناسِ عن طريقِ المواقعِ الإلكترونيةِ والتواصل الاجتماعي لشحنِ الناسِ. فلما لم يجدوا الاستجابةَ المرجوةَ لجأوا إلى ما هو أعظمُ مكراً وجلباً لعواطفِ الناسِ فأخرجوا النساءَ التي غالبهنَّ ممن لها أخٌ أو زوجٌ أو أبٌ موقوفٌ إلى الشوارعِ يصحنَّ بالطرقاتِ ويكتبنَ اللافتاتِ ويعتصمنَ أمامَ المجمعاتِ ، فحاولتْ أجهزةُ الأمنِ مناصحتهنَّ بالرجوعِ عن سلوكِ هذا الطريقِ الخطيرِ ، فلم لم يستجبن وبدأ الأمرُ يستفحلُ ويظهرُ الشرُ أخذتْ تلكَ النسوةَ بالقوةِ حسبَ الأنظمةِ : فانطلقَ عندئذ هؤلاء الفاسدونَ من أصحابِ الفقيه وأنصارِ القاعدةِ بإظهارِ المقاطعِ المرئيةِ بالدعوةِ للقتلِ والدماءِ نصرةً للحرائرِ زعموا ، وكأن تأديبَ النساءِ ومنعهنَ عن التأليبِ محرماً ، بل خرجتْ أصواتٌ نشازٌ ممن ينسبونَ للعلمِ .. النساءَ .. النساءَ .. وتجاهلو ا أن حرمةَ المرأةِ حين تكونَ مكرمةً في بيِتها ، أما إذا خرجتْ عن الأدبِ والنظامِ فإنها تعاقبُ كالرجلِ كما قرنَ اللهُ السارقَ بالسارقةِ بقطع اليد ، فقطعَ النبيُ يدََ المخزوميةِِ ولم يقبلْ بها شفاعةً. بل بدأ اللهُ بالأمرِ بجلدِ الزانيةِ قبل الزاني وعلى ملأٍ من الناسِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فرجمَ النبيُ الغامديةَ . ألم تمتلئ المحاكمُ الشرعيةُ بقضايا النساءِ المخاطئاتِ والخاطئاتِ يسجنَ ويجلدنَ ويرجمنَ ويقتلنَ إذا استحققَن ذلك بأمرِ اللهِ عزوجل وبأمرِ رسولِه . فإذا أردتمْ كرامةَ الحرائرِ فاحفظهنّ في بيوتكم ؛ لأن دينَ اللهِ لا يحابي أحداً أمامَ المصلحةِ العظمى لحفظِ الأمن ، ومن حق ولي الأمر أن يؤدب من افتات عليه.