أكد خبراء اقتصاديون أن مخاطر ظاهرة التستر التجاري تجاوزت كل الحدود الممكنة لوقفها وكبح جماحها، مستنزفة أهم ركائز الاقتصاد الوطني وهما رأس المال والعمل، وملتهمة في الواقع كل ما يقع في طريقها أو تصادفه من متعاظمة على حساب المستهلك المواطن، بهدف الاستفادة القصوى من الإعانات المقدمة من قبل الحكومة ومضاعفة حالات الغش التجاري ونشر الجريمة والتجارة غير المشروعة
وكشف الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية طلعت حافظ لـ»المدينة» أن حجم التستر التجاري أو غير النظامي في خانة المليارات من الريالات وتستوطن معظمها قطاع التجزئة في المملكة باعتباره أحد القطاعات الأكثر جذبًا للعمالة الوافدة، وأضاف أن حجم العمالة التي تعمل بقطاع التجزئة بالمملكة يقدر بأكثر من 2.400.000 عامل بما يجعل هذا القطاع وأمثاله قطاعًا جاذبًا باستقطاب العمالة.وقال إن من هذا المنطلق تنبأت الحكومة السعودية بخطورة التستر التجاري وإفرازاته السلبية على الاقتصاد والمجتمع والوطن وتصدت له بكافة الوسائل والخطوات والإجراءات الكفيلة للقضاء عليه من بين هذه الإجراءات والخطوات التي اتخذتها الحكومة مؤخرًا إقرار عدد من البرامج والآليات التي ستعمل على تحسين بيئة سوق العمل السعودي بحيث تصبح أكثر جذبًا للعمالة الوطنية حيث أقرت على سبيل المثال مايعرف ببرنامج نطاقات وطاقات ولقاءات وبرنامج حافز وغيرها من البرامج بما في ذلك إقرار حد أدنى للأجور بواقع 3000 ريال للعامل السعودي مما يتوقع لهذه البرامج أن تأتي بأكلها في محاربة العديد من الظواهر الاقتصادية السلبية والتي تأتي في مقدمتها ظاهرة التستر التجاري. وأكد حافظ أن انتشار ظاهرة التستر التجاري على مستوى أي اقتصاد في العالم سواء المملكة أو غيرها له مضاره الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك الأمنية المتعددة كونه يعمل وفق آليات غير نظامية وغير مشروعة تحت مايعرف بمظلة الاقتصاد الخفي الذي عادة تشغله عمالة وافدة غير نظامية وسائبة منخفضة الأجر، مشيرًا الى أن التستر التجاري يتسبب في إحداث مشكلات اجتماعية وأمنية متعددة كون أن المتستر عليهم هم في الأساس، عمالة غير نظامية يمكن أن ترتكب أي نوع من الجرائم التي قد تحدث أضرارًا أمنية بالمجتمع والاقتصاد على حد سواء.
أكبر العوائق
من جانبه قال أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة: إن التستر التجاري الذي يعد أحد أكبر العوائق التي تعترض طريق النمو الاقتصادي وتطوره، وعرّف التستر التجاري بأنه تمكين الوافد من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه أو بالاشتراك مع غيره وهو محظور عليه ممارسته، أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات بممارسته، مبينًا أن المواطن يعتبر متسترًا في حالة تمكين الوافد من استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري لممارسة النشاط التجاري، كما يعتبر متسترًا كل أجنبي حاصل على ترخيص استثمار أجنبي وقام بتمكين وافد آخر من العمل لحسابه خلافًا لنظام استثمار رأس المال الأجنبي، وقال: إن التستر يؤدي إلى تهرب الوافد من الرسوم التي يتطلبها نظام الاستثمار الأجنبي من خلال عقد صوري بالراتب والميزات. وأضاف باعجاجة: إن من أهم سلبيات التستر التجاري هي زيادة حالات الغش التجاري، والمنافسة ومزاولة الأنشطة غير العادلة أوغير المشروعة، والمخاطر الأمنية والاجتماعية، واحتكار بعض الأنشطة التجارية، وتزايد أعداد المخالفين لنظام الإقامة نتيجة ازدياد أعداد العمالة الوافدة، وزيادة أعباء الإنفاق على المرافق الخدمية الصحية والتعليمية، مؤكدًا أن ظاهرة التستر التجاري تحمل آثارًا ضارة على الاقتصاد الوطني، تتمثل فى وجود أموال طائلة يتم تحويلها إلى الخارج، تخطت 140 مليار ريال في السنة، وتسهم بأضرار اقتصادية كبيرة، فضلًا عن كونها ضارة بالتجارة الداخلية لوجود منافسة غير شريفة من قبل الوافدين مع السعوديين.
وقال: إن انتشار هذه الظاهرة يعني أن هناك فئة من المواطنين يتكاسلون عن العمل ويرضيهم جمع المال بأيسر الطرق بحيث يتحولون من فئة منتجة إلى فئة اتكالية دون اعتبار للمصلحة العامة، وغمر الأسواق بسلع دخيلة وعلى ذوق المستهلك والعمل على ترغيبه بشرائها مما يساعد على الاستهلاك فى سلع قليلة المنفعة، وتوجيه اقتصاد البلاد وفق رغبات ومصالح رؤوس الأموال الأجنبية، والتورط في تعاملات وديون يكون المتستر والمتستر عليه غير عالم بها، وطالب باعجاجة وزارة التجارة بالقيام بتنفيذ حملة وطنية شاملة لمكافحة التستر، وتتضمن برامج توعوية وخطوات إجرائية مختلفة منها فتح باب التطوع والتعاون من قبل المواطنين للاشتراك في مكافحة الظاهرة التي تمس عصب الاقتصاد الوطني، والتركيبة الاجتماعية والأمنية.
آليات الرقابة
من جانبه أكد أمين عام غرفة الأحساء عبدالله بن عبدالعزيز النشوان أن نمو ظاهرة التستر التجاري في المجال التجاري والاقتصادي مع ضعف الأنظمة وآليات الرقابة الرسمية الشحيحة بكوادرها ومواردها، يعد من أهم أسباب استمرار استشراء وتمدد الظاهرة وارتفاع نمو معدلات البطالة رغم الجهود الحثيثة لعلاجها، مبينًا أن التشريعات والأنظمة المكافحة للظاهرة تعد حديثة نسبيًا، فضلًا عن المتابعة للتراخيص من قبل الجهات الحكومية المعنية لا تزال متواضعة، فضلا عن العقوبات المفروضة على مرتكبي جريمة التستر ليست صارمة بما يكفي لردع مرتكبيها.مشيرا إلى أن التستر التجاري أصبح ظاهرة اقتصادية واجتماعية مزعجة ومضرة بالاقتصاد الوطني، حيث أصبحت هي المسؤولة المباشرة عن البطالة، لاقتصار التوظيف في مشروعات التستر على العمالة الأجنبية، إضافة إلى تزايد أعداد العمالة الوافدة في تغذية هذه الظاهرة، ومزاحمة المواطنين في أعمالهم بصورة غير مشروعة، واحتكار العمالة الوافدة لبعض الأنشطة التجارية، وهو الأمر الذي بدأ يقود إلى منافسة غير عادلة، ولا يحقق للاقتصاد الوطني أي إضافة حقيقية، عدا كونه أصبح يتفاقم بل وبدأ يكتسب طابعا إجراميًا، ما سيكون له للأسف تأثير بالغ على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى القيم الأخلاقية والسلوكية. ودعا إلى ضرورة وجود مراجعة مالية ومحاسبية لكل الأنشطة التجارية صغيرة كانت أم كبيرة، حتى يتم القضاء نهائيًا على ظاهرة التستر التجاري الذي تسعى جهات عدة لمحاربته، وإلا ستكون كثير من المؤسسات الوطنية مكرهة في ظل معاناتها لعدم قدرتها على المنافسة العادلة إلى زيادة مستويات الإهمال والغش التجاري في منتجاتها وخدماتها وخفض مستوى جودة منتجاتها لتسويقها، ما قد يؤدي إلى تدني مستوى نوعية المنتجات الوطنية وإضعاف كفاءتها الاقتصادية والإخلال بتوزيع مواردها.ونادى أمين عام غرفة الأحساء بضرورة تنمية الوعي وتثقيف المواطنين وتعزيز روح الانتماء الوطني لدى المواطنين من خلال تنظيم حملات إعلامية مبتكرة وقوية ومستمرة تركز على عدم السماح بالتستر التجاري والامتناع عن التعامل مع النشاطات التجارية المشبوهة، أو السماح بأخذ مبالغ مقطوعة من العامل الوافد، وتفعيل قنوات الإبلاغ عن المتستر والمتستر عليه.
التأثيرات السلبية
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور فضل البوعينين إلى أن الدراسات القليلة حول ظاهرة التستر أثبتت حجم التأثيرات السالبة الكبيرة لنمو هذه الظاهرة وآثارها الوخيمة على كافة المستويات والأصعدة، لافتًا إلى أن التستر التجاري يؤدي إلى زيادة الطلب على النقود ويصبح أحد الدوافع الأساسية للاحتفاظ بها، وهو الأمر الذي يؤثر على جدوى وفعالية السياسات النقدية للدولة، من خلال تحويل أغلب ال الناجمة عن التستر تحول إلى خارج المملكة، إضافة إلى إضعاف الكفاءة الاقتصادية، والإخلال بتوزيع الموارد، والإضرار بأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.وعزا تفشي ظاهرة التستر التجاري في المملكة إلى عدد من الأسباب أهمها عدم أو ضعف الأنظمة التي تواجه وتعالج هذه المشكلة، إلى جانب ضعف المتابعة والرقابة، وصعوبة السيطرة على منافذ التستر نظرًا لضعف الموارد والأدوات وقلة الكوادر المتخصصة في هذا الجانب بالإضافة إلى كبر مساحة المملكة وضخامة عدد التراخيص والسجلات التجارية الممنوحة، وكذلك تجاهل عدد من المواطنين المواطنات للنظام وجهلهم بالآثار الوخيمة للتستر التجاري.وأشاد البوعينين بالخطوة المتميزة التي اتخذتها جامعة الملك عبد العزيز مؤخرًا بإنشاء كرسي علمي بمسمى (كرسي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز لدراسات وأبحاث قضايا التستر التجاري)، مؤكدًا أن التستر التجاري أصبح ظاهرة مخيفة تستوجب تفاعل كافة قطاعات المجتمع وخاصة الجامعات والكليات والمعاهد ومراكز الأبحاث لإجراء الدراسات والمسوحات العملية لما أصبحت تمثله من هاجس قد يتسبب في إفشال خطط وسياسات الاستقرار والأمن الاقتصادي في المملكة، وتشويه المؤشرات اللازمة لوضع السياسات الاقتصادية، والتي من أهمها مؤشرات الأسعار ومعدلات البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي.
نظام مكافحة التستر
من جانبه، أوضح المحامي والمستشار القانوني فهد بن محمد الحكمي أنه وفقًا لأحكام المادة الأولى من نظام مكافحة التستر يعرف التستر التجاري بأنه تمكين الوافد غير السعودي من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه أو بالاشتراك مع غيره محظور عليه ممارسته أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات ممارسته، ويعتبر المواطن متسترًا في حالة تمكين الوافد من استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري أو بأي طريقة أخرى لممارسة النشاط التجاري.وأضاف: أن الواقع العملي يجعل من الصعب اثبات جريمة التستر التجاري كونها تحاط في ظاهرها بسياج محكم من الأوجه والقرائن والخطوات النظامية، حيث يستغل صاحب العمل سواء بسوء أو حسن نية الأنظمة التي تبيح له الاستعانة بمن يوكله ويمثله في ظاهر الأمر وفى مضمونه استغلال لهذا الاسم وللنشاط التجاري ولأن حسن النية يعد أصل ومن يخالف ذلك الأصل عليه إثبات ما يدعيه وعليه تعد جريمة التستر من الجرائم صعبة الإثبات من قبل الادعاء العام لذا غالبًا ما تعتمد على ما توصلت إليه فرق البحث الجنائي من تحريات واعتراف المتهم وبعض القرائن المادية الأخرى التي لا ترقى لمستوى الدليل.ورأى الحكمي ضرورة تفعيل نظام مكافحة التستر التجاري وتغليظ عقوباته، واستحداث عدد من الأنظمة التي تشجع على تمويل الصناديق والمؤسسات التي تدعم قيام المؤسسات الصغيرة والأعمال المهنية والحرفية الوطنية من بينها نظام العلامات التجارية «الفرنشايز» لما لها من أدوار في مكافحة البطالة ودعم سعودة النشاطات التجارية، ومحاربة ظاهرة التستر التجاري، داعيًا لأهمية النظر في استحداث جهاز أمني رقابي معني بمكافحة ورصد ومتابعة وإثبات جرائم التستر التجاري.
المواضيع المتشابهه 
2.4 مليون وافد يديرون قطاع التجزئة معقل التستر التجاري وحجم ال في خانة المليارات 
العرض الشجري
