بعد نقل الدم الملوث بالإيدز لفتاة في عمر الزهور في مستشفى جازان العام، لا أملك إلا أن أهدي بعض المسؤولين في القطاع الصحي أغنية رابح صقر الشهيرة : «ياخي تألم .. خل عندك شوي دم» وقدم استقالتك، لكن يبدو أن بعض المسؤولين بحاجة إلى عملية نقل دم (غير ملوث طبعا ) ليكون لديهم دم، ويقدموا استقالاتهم!
ولو أن هذه الحادثة وقعت في إحدى الدول الغربية لتناثرت الاستقالات في كل اتجاه ، ليس هربا من المسؤولية وإنما تحملا لها، لكننا في مجتمع يلتصق فيه أصحاب الدماء الباردة، والأجساد الميته، والعقول المجمدة بالكراسي الساخنة حتى آخر رمق!
ولو كنت مكان الطفلة التي سرقوا ابتسامتها لصرخت بأعلى صوتي في وجه كل لجانهم العاجلة، وتصريحاتهم الصاخبة، أين كنتم قبل أن تقع الفأس بالرأس، فأي مسؤولية تتنادون لها الآن وقد تواريتم عنها من قبل ؟!
فلو ـ ولو من عمل الشيطان الحاضر بكل وجدانه في هذه القضية الشريرة ـ كان هناك حضور مسؤول يضمن تطبيق معايير الأداء الرفيع لما وجد دم ملوث بالإيدز طريقه إلى أوردة المرضى من أساسه، ولما نمنا مطمئنين على تصريحات مسؤولي الصحة المتكررة بنفي أي تلوث في مخزون الدماء، وتأكيدهم المستمر على دقة وصرامة معايير فحص الدماء، لنفيق على واقع كابوس الدماء الملوثة !!
في عز مأساة الطفلة ريهام الحكمي التي نقل إليها دم ملوث بالأيدز في مستشفى جيزان، تصر وزارة الصحة على إلقاء النكات السمجة، وتطالبنا بالضحك المغموس بالدموع؟، يبدو ــ والله أعلم ــ أن الوزارة أجرت أشعة مقطعية لعقولنا، وبسبب (خطأ أحد الفنيين) بدا لها أن عقل الواحد منا أصغر من حبة قمح، وهذا بالطبع تشخيص خاطئ؛ لأننا مهما صغرت عقولنا لا نستطيع تمرير أضحوكة تشكيل لجنة تحقيق في الحادثة تتكون من عدة أعضاء، أزعم (أنا العبد الفقير إلى الله) أنه قد يكون بينهم من يجب أن يعرض على لجنة تحقيق مستقلة؛ لأنه مسؤول عن الكارثة بشكل أو بآخر!.
أنا لا أقلل فقط من جهود الوزارة في التصدي لهذا العبث الخطير بحياة الناس، بل أشك في وجود هذه الجهود أصلا!؛ لذلك أعلن استعدادي للذهاب مع أكبر مسؤول في الوزارة إلى أي مدرسة ابتدائية واختيار أي طالب في الصف الأول الابتدائي كي يكون حكما بيننا، وليسأله السيد المسؤول: ما رأيك يا شاطر في خطوة الوزارة بالتحقيق مع نفسها من خلال إرسال لجنة تحقيق من الرياض إلى جيزان يترأسها مدير عام المختبرات وبنوك الدم؟!، وأنا متأكد بأن الطفل سيرد: الحمد لله والشكر على نعمة العقل، أليس هذا أول شخص يجب أن تستدعيه لجنه التحقيق؟!.
وقبل أن تشكك الوزارة في نزاهة هذا الحكم الصغير، سوف أذهب معها إلى مستشفى الأمراض العقلية، ونسأل عن أقدم نزيل فيه ليكون حكما بيننا، ونسأله: ما رأيك يا حكيم القوم في كون لجنة التحقيق تضم استشاريا في الأمراض الوبائية؟، وأنا متأكد مرة أخرى أنه سيرد: (أنتم للحين ما عقلتوا؟)، ومعه حق؛ لأن سؤال العقل يقول: كيف نصدق أن هذا الاستشاري كان طوال السنوات يكافح مع زملائه انتشار الأوبئة في طول البلاد وعرضها إذا كانت الأوبئة تنتشر عن طريق مستشفيات الوزارة؟!. صحيح أن معالي وزير الصحة جراح عالمي يشار إليه بالبنان، وأنا مواطن بسيط من 20 مليون بسيط، ولكنني أناشد معاليه أن يخاطبنا على قدر عقولنا، ويفهمنا: بأي منطق تحقق الوزارة مع نفسها؟، وكيف يكون المسؤولون عن تردي الخدمات الصحية هم من يبحث عن أسباب الكارثة التي وفروا الأرضية الخصبة لحدوثها؟.. أقنعنا يا معالي الوزير، ثم طالب بميزانية إضافية لعلاج الزهايمر إذا اقتنعنا بكلامك!. أما السؤال الذي لا يستطيع أي حكم في الدنيا الإجابة عليه: ما جدوى إرسال لجنة التحقيق المظفرة ما دامت وزارة الصحة أعلنت في بيان استباقي أن ما حدث لريهام كان بسبب (خطأ أحد الفنيين)؟!، وما هو مبرر تبذير الأموال العامة في تذاكر السفر والانتدابات إذا كانت الوزارة تعرف ــ سلفا ــ أن هذا الفني هو المتسبب بالخطأ الشنيع؟!.
على أية حال، أنا لا أرى مهزلة أكبر من أن تعلن وزارة ما أنها تحقق مع نفسها، فلو كان هناك أدنى رغبة لمعرفة حقيقة الأمر لتم تشكيل لجنة مستقلة يترأسها ــ على سبيل المثال ــ أحد أعضاء مجلس الشورى (وفيه أطباء كبار وطبيبات عالميات)، ويكون بين أعضائها أحد موظفي هيئة مكافحة الفساد، كما تضم لجنة التحقيق أحد الفنيين الآسيويين؛ لأن كل كوارث وزارة الصحة تكون بسبب (خطأ أحد الفنيين)!.
هكذا نقلوا لها الأيدز وهكذا تجاهلوها
محمد بن سليمان الأحيدب لا صحة لما تدعيه وزارة الصحة أن ما حدث للطفلة البريئة (رهام) هو نتيجة لخطأ فردي!!، بل هو نتيجة متوقعة لمجموعة أخطاء إدارية وفنية، وتخبطات متتالية، حذرنا منها في حينها، و تحديدا عندما تحدثنا عن أزمة مخزون الدم، وتدخل غير المختص في تأمين كواشف تحليل الدم، وطريقة فحص أكياس الدم وخلافه!!.
بدأت المشكلة إدارية بالتدخل في صلاحيات مدير المختبرات، وبنوك الدم المتخصص، وإعطائها لمدير التموين الطبي آنذاك الذي أصبح وكيلا للتموين الطبي والشؤون الهندسية، وهو تدخل في طريقة إجراء الفحص على أكياس الدم، وتحويلها من فحص كل كيس على حدة إلى فحص مجموعات من ستة أكياس أو 12 كيسا.
فإذا وجد في المجموعة تلوث بحث عن الكيس الملوث من بينها؛ وذلك بغرض التوفير في شراء الكواشف، وهو تدخل أدى في حينه إلى تنحي مدير بنوك الدم، وطلبه التقاعد المبكر الذي رفض، وحول إلى إعارة (المهم أنه ترك المختبرات وبنوك الدم) ورحل و رحلت معه الرقابة الدورية الشاملة المتخصصة على طريقة التعامل مع فحص أكياس الدم وفرزها!!.
ومع كامل الاحترام للتحقيقات الجارية إلا أن التفسير الوحيد لإعطاء كيس دم ملوث للطفلة ناتج عن عملية خلط كيس غير مفحوص، مع أكياس مفحوصة وسليمة، لأنه وحسب إفادة الأم فإن فريقا من المستشفى بعد أن تم نقل الدم بعدة ساعات جاء للمنزل بعد منتصف الليل يستدعي الطفلة (بعد اكتشاف التلوث في عينة كيس الدم الذي أعطي لها)؛ وذلك الخلط لا يمكن أن يحدث لو طبقت معايير رقابية شديدة على التعامل مع أكياس الدم، وفصلها، و إجراء مراجعة مزدوجة( دبل شيك) على طريقة فرزها، وهو أمر يطول شرحه.
لا جدال أن أساس الخطأ هو الارتجالية في القرارات، والعشوائية في الإدارة، و إيكال الأمر إلى غير أهله. وهو ما يجعله خطأ قابلا للتكرار والحدوث في أكثر من مستشفى؛ لأن المعايير الرقابية في بنوك الدم أصبحت متدنية جدا!!.
إذا كان الخطأ الإداري والفني في الكارثة يحتاج إلى تحقق وتأكيد فإن المؤكد هو أن عدم مواساة (رهام) وأهلها، وعدم الاعتذار لهم، وتجاهلهم سلوك مشين، ومستفز، ويحمل مقارنات وتفسيرات نحن في غنى عنها.
ترى المستمع عاقل يا وزارة الصحة
د. سعيد السريحي لو أن المتحدث باسم مديرية وزارة الصحة في منطقة عسير فكر قليلا ربما هداه تفكيره إلى عذر آخر يفسر نفاد كميات لقاح شلل الأطفال في اليوم الثالث لبدء حملة كان من المقرر لها أن تستمر خمسة أيام، ولربما كان السبب الذي قد يهديه تفكيره إليه مقنعا لأهالي عدد من محافظات عسير ممن حملوا أطفالهم إلى مراكز التطعيم وعادوا بهم دون تطعيمهم.
المتحدث الرسمي لمديرية الشؤون الصحية في عسير لم يجد ما يعتذر به عن نفاد لقاحات شلل الأطفال غير التأكيد على أن الزوار غير المقيمين في هذه المحافظات وأطفالهم هم المسؤولون عن نفاد كمية اللقاحات التي تم توفيرها مسبقا، ولو أن موعد انطلاق هذه الحملة كان صيفا أو متوافقا مع موسم الإجازات لكان هناك احتمال لأن يكون ما قاله صحيحا، أما حين يتحدث عن زوار غير مقيمين لمحافظات عسير في عز الشتاء وفي غير مواسم الإجازات، فإن من شأن تصريحه أن يغري بإنشاء قائمة لتصريحات وزارة الصحة الخاطئة تنضم إلى قائمة وزارة الصحة من الأخطاء الطبية التي تتزايد دون أن تجد ما يردعها أو يخفف من أضرارها وينقذ ضحاياها.
محافظات عسير التي نعرف جميعا أنها تشهد في مثل هذه الأيام التي انطلقت فيها الحملة نزوحا إلى تهامة بحثا عن الدفء تتحول ــ حسب تصريح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة ــ إلى مناطق جاذبة للزوار بأطفالهم الذين فاجأوا وزارة الصحة، وأفشلوا حملتها في التطعيم، وكشفوا عن عجزها عن توفير اللقاحات التي تكفي لأطفال هذه المحافظات على نحو نفدت فيه الكمية خلال ثلاثة أيام من انطلاق الحملة.
الأهالي الذين عادوا بأطفالهم دون لقاح من حقهم حين يستمعون إلى مثل هذا العذر أن يضربوا كفا بكف، وأن يرددوا بينهم وبين أنفسهم المثل السائر: إذا كان الحاكي خبل يكون المستمع عاقل.