علمتني العصافير لغة الحرية، ووهبتني تقاسيمَ عربيٍ يأبى الضيم.. علمتني العصافير لغة الجد والعمل وتجرعت من زقزقتها لغة الحرية.. وأنَّ الحرية أسمى ما يرنو إليه الكائن وحبسه موت بطيء
علمتني العصافير لغة تغيب عن البشر.. إنها لغة المودة والحب وهي تسبح في ملكوت الله.. ليس للـريح سوى أصواتـِها تسمعها، فتتوارى مع زقزقات لا يفهمها إلا المرهفون.. فما أجمل تلك الأصوات التى تبحث عن مأوى بين ضلوع أضحت حيرى.
إن جمال العصفور المتألق وهو يطير بهمة في فضاء رحب يحيي الأمل في النفوس ويوقظ الإيمان المخدر.. إنها تؤمن أن الله يرزقها وهى تغدو خماصاً وتروح بطاناً
لقد علمتني العصافير أنغاماً لايختلف على حلها اثنان ولغةً لايفهمها إلا القليل من الناس كم أثراني جمالها، وكم أطربتني أصواتها وكم أيقظتني من رقادي ما أجمل تلك الأناشيد ما أجمل ذلك الصباح الذي نستيقظ فيه والأمل يملأ قلوبنا والإيمان يعطر أوقاتنا
كم كان يأخذني غروب الشمس وقد توارت العصافير خجلاً خلف الأشجار ومن خلفها يبكى السحاب على الرحيل وسرعان ماتهدأ الأصوات وتقل الحركة ويعم السكون في الكون في ليل الشتاء، المطير والطويل
رحم الله زمن العصافير الجميل الذي خلّفَ وراءه قلباً متعباً يحن إلى الصبا.. يحن إلى زمن البراءة.. يحن إلى تلك الليالي الخوالي.. يحن إلى البساطة، يحن إلى النغم الأصيل.. يحن إلى أعزاء رحلوا وتركوه يكتوى بنار فراقهم ويتحسر على أخلاقهم ومبادئهم..