أول ما يجب في كل حادثة أن يعلم المؤمن أنه لا إله إلا الله حقاً .. يعيد من جديد الشهادة بأنه لا إله إلا الله سبحانه وتعالى. نجدد إيماننا بالله، ونعلم أنه تبارك وتعالى له صفات الكمال والجلال، وله الأسماء الحسنى وكل اسم أو صفة فلها مقتضياتها في الواقع الدنيوي الذي نعيشه .
لا تجعلوا -أيها الإخوة الكرام- العقيدة بعيدة عن هذا الواقع، عقيدتنا في الله وإيماننا بالله وبأسمائه وصفاته ننـزلها على هذا الواقع لنرى أن الصورة بعد ذلك تختلف جداً، وأن الحلول تكثر جداً، وأن العدو الذي ربما تكون له في النفوس هيبة أو مكانة يصبح أحقر وأضأل ما يكون.
إذا استحضرنا في أذهاننا وآمنا دائماً وأبداً بأن الله تعالى هو الحق، وأنه الذي بيده الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وبيده الخير، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .. الذي أحاط بكل شيء علماً .. الذي يبدّل الأمر في السماء والأرض .. الذي هو وحده القاهر فوق عباده .. الذي ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها .. الذي لا يعلم جنوده إلا هو .. الذي: أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [النجم:50-53].
الذي أخبرنا بما يدل البشر على أنه قادر على الإهلاك، وعلى التدمير، انظروا! كيف أهلك أعداءه بأمور قد لا تخطر على بال، بالماء أغرق قوم نوحٍ، وبالماء أغرق فرعون وجنوده ومن معه، وكذلك أهلك أمة سبأ العظيمة التي كانت في اليمن ، وبالريح أهلك الله تبارك وتعالى عاداً، ونصر محمداً صلى الله عليه وسلم لما اجتمعت عليه الأحزاب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: {نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور }وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ [المدثر:31].
لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، وهو الذي بيده كل نفس في هذا الوجود، وهو الذي: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ [الحديد:22] قد كتب الله تبارك وتعالى مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء.
هذا هو الملك العزيز .. الجبار المتكبر .. المتصرف في هذا الكون .. الذي يدبره كما يشاء .. والذي اقتضت حكمته أن يبتلي بعض خلقه ببعض: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4] أي: من الكافرين.
فلو أن الأمر أمر قوة أو جبروت لما وقف أحد من أهل الكفر، ولما استطاع أن يصنع شيئاً، ولا أن يحرك مثقال ذرة في هذا الوجود، ولكن الله عز وجل يملي لهم، ويمهلهم، ويمكن لهم ظاهراً ثم يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
فهذه -أيها الإخوة الكرام- وأمثالها من الأمثلة هي أول ما يجب أن نبعثه في نفوسنا وفي نفوس هذه الأمة المبتلاة الممتحنة التي يحيط بها أعداؤها من كل جهة.
فإذا عرفت الأمة الله وعظمته، وعرفت قدرته وعلمت قوته وهيمنته وقهره وغلبته، وأن هؤلاء جميعاً لا يساوون شيئاً في ملكه، وأيقنت بذلك كما أيقن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها تنطلق بإذن الله تبارك وتعالى ولا تبالي بهذا العدو، وتعلم وتثق بأن النصر من عند الله عز وجل: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126] .. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].. إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، وتعي جيداً قول ربها تبارك وتعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139].