جبارة من أشراف الخرمة ويورد قصته حينما ضاقت الدنيا في وجهه لأن الضيوف حلوا بساحته وليس لديه ما يقريهم، ومن شدة ارتباكه ضرب زوجته ولما رأى الدم يسيل منها خجل من نفسه وزاد اضطرابه وفر من البيت ( وتقول الحكاية الشعبية إن جبارة صعد مرتفع غير بعيد عن بيته يستطيع من قمته أن يراقب الوضع وينظر ما يحدث لضيوفه إذا أناخوا ركائبهم أمام بيته. أما زوجته التي ما زالت تعاني من الإهانة وتسيل الدماء على وجهها من أثر الضرب فإنها تصرفت تصرفا نبيلا أخجل زوجها حيث ذهبت إلى بيت أخيها وأخبرته بأن زوجها غائب وأنه ليس لديها ما تقري به ضيوفه. فأرسل أخوها إليها كل ما تحتاجه من عيش وذبائح وقهوة. وما كانت إلا لحظات حتى رأى الشريف جبارة الدخان يتصاعد من بيته مما يؤذن بإعداد وليمة كبيرة للضيوف، وبذلك علم أن مشكلة إطعامهم قد حُلت. فنزل من مخبأه وبادر ضيوفه بالسلام واعتذر لهم من عدم استقباله لهم لعدم علمه مسبقا بمجيئهم. لكن أمير الركب كان نبيها أدرك كل شيء وعرف ما يعانيه الشريف من قلة ذات اليد. لذلك فإنه قبل مغادرته عمد إلى كيس نقود معه ووضعه تحت المسندة ليجده الشريف بعد ذهابهم، وقد عمل ذلك لأنه كان متيقنا بأن الشريف لن يقبل المال لو أعطاه له هكذا. أما زوجة الشريف الهذيلية فإنها بعد أن عملت ما يمليه عليها نبل الأصل وكرم المحتد من القيام بالواجب والمحافظة على مكانة أبي أولادها راحت مغضبة إلى بيت أهلها. ما سببته له هذه الحادثة من ألم نفسي هو الذي حدا بالشريف جبارة إلى أن يهجر بلده ويخاطر بنفسه ويتغرب عن أهله طلبا للرزق والعيش الكريم. وقال هذه القصيدة لما طالت غربته واشتاق إلى أهله وحن لولديه اللذين يقول عنهما في البيت التاسع إنه تركهما وهما ما زالا في سن الرضاع.
ولا نجد في القصيدة أي ذكر لحكايته مع الضيوف وما عملته زوجته تجاههم. إلا أن الجو العام للقصيدة قد ساعد على تفريخ هذه الأسطورة وأوحى بتفاصيلها. فالموضوع الأساسي للقصيدة هو التشكي من الفقر وذم الحاجة. كما أن ما ذكره في البيتين السابع والعشرين والثامن والعشرين عن صبر زوجته على غضبه وحدة مزاجه قد يفهم منه أنه ضربها. لكنه لم يحدد حادثة بعينها غضب فيها على زوجته والفهم الأصح، في رأيي، أنه يتحدث عن سلوكه معها بصفة يومية. ولربما يرجع السبب في حدة مزاجه معها إلى ما يقاسيه من ذل الحاجة والعوز.
ولا تحدد القصيدة أين ذهب ولا من أين بعث بالقصيدة، لكنه بعث بها إلى نجد مع شخص سماه عمران والذي كان يستعد للذهاب إلى نجد ومغادرة الريف، وربما يقصد بالريف هنا المناطق الخصبة في الشام وبلاد الرافدين. وفي البيت الثامن عشر يوجه جبارة كلامه إلى نسيبه وخال أبنائه محمد أبي بكر ليستفسر منه عن حال ولديه اللذين سماهما في البيت الثاني والعشرين شبيب وأحمد، وهذا ما يتفق مع ما ذكرته الأسطورة عن غضب الزوجة وذهابها إلى بيت أخيها.
وأجمل ما في القصيدة المقطع الذي يتحدث فيه عن الأولاد ودور الأم في تربيتهم. ويكاد يقتصر النصف الثاني من القصيدة على ذم الفقر وما يجره على صاحبه من ازدراء الناس له وازورارهم عنه. والأبيات الأخيرة تبدو مهلهلة التركيب وضعيفة الصلة بموضوع القصيدة وجوها العام، وقد تكون ملحقة بها من قصيدة أو قصائد أخرى على نفس البحر والقافية. تقول القصيدة:
01) يقول جْباره والركايب زوالف // يدير الاريا ايّهن خْيار
02) ألاعي الورقا بالابعاد بعدما // غشى جفن عينى بالمنام وذار
03) ياركب شدّوا واغنموا البرد قبل ما // يهب عليكم بالهواجر نار
04) يهب هوا من مطلع الجدى بارح // إلى طلعت عين الشبيب وثار
05) لكن حصباه الذي في رباعها // على جسم من هو يلتقيه شرار
06) هيّض علي بتالى الليل والف // لها ضايعٍ يوم الهجيج حْوار
07) تحن وهي كد عاقها عن لحوقه // على الساق بعض الرامحات كسار
08) تحن اليهوديات من فقد ليله // عزّي لمن فرقاه بيع جمار
09) هذا وهي عجما فياويل من له // أولاد في سن الرضاع صْغار
10) الايقان بالله وما كتب للفتى // يجيه ولا له عن لقاه فرار
11) لو كنت في قبّة حديدٍ مْعَسْكر // في غب جهّاشٍ غزير بْحار
12) أو كنت في حِقٍّ من العاج مطبق // فلا عن مقادير الإله مطار
13) فان كان ياعمران الى نجد راجع // عن الريف من خوفة يقال وصار
14) أوصّيك ياعمران لا عاقك النيا // حاذور عن ضعف العزوم حذار
15) على نضوةٍ وجنا لكنه إلى اوجفت // خْطاه من طول المسير قْصار
16) لكنها من غب الادلاج والسرى // تشوف بها هاك النهار ذْعار
17) فجّا النحر مثل السبرتات لى اوجهت // طفوحٍ على اليمنى لها ويسار
18) تشتاق في بطحا البجيري مجلس // في ملتجا بابه وباب صفار
19) إلى جيت ياعمران منى جماعه // وحسّك من بين الجماعه دار
20) اختص ابو بكر الشجاع محمد // من لا شنا يومٍ جنابه جار
21) نسيبي وخال ابني ومن هو إلى أمر // على غرضٍ مني يجيه جمار
22) أسل ليت علمٍ عن شبيب وأحمد // الاولاد للقلب الشقى اثمار
23) هم الخير وهم الشر والفقر والغنى // وربحٍ وفيهم من يكون خسار
24) الاولاد فيهم من جلى الهم شوفه // والاولاد فيهم مِطْلَق وْثبار
25) بالاولاد من هو رافعٍ قَدِر والده // وبالاولاد من يوريه دار حقار
26) خلّفتهم في حِجِر بيضا عفيفه // كساها من الدل الجميل وقار
27) هذيليّةٍ من روس قومٍ عنابر // من منسبٍ عالي وطيب جوار
28) صبورٍ على عوباي ما يندرى بها // إلى مِرّ كبدي بالمغوضه فار
29) ياما من الطربات يانفس فاقنعي // مع الناس غالي ما عليه اقدار
30) محى الله من يارد على غير مارد // ويبني على غير العزاز جدار
31) مصادمك بحرٍ من ورا ديرة العجم // ودارٍ ورا عين الدقيق بدار
32) أشوى ولا تحتاج لادنى قريبك // إلى احتجت للدانى القريب وبار
33) لعل مالٍ ما يمارى به العدا // ولا ينفع المضيوم ليته بار
34) أوصّيك خلان الرخا لو تزخرفوا // كما الشجر يورق بغير اثمار
35) يبنون لك بالحكي كم من مدينه // بالضاهري والباطني دمار
36) يقولون تِرْد الماي بمحوص قِنّب // فالى ورّدن الما يجن قصار
37) يورونك احوالٍ إلى ما بغيتها // والى حلم ليلٍ فر عنك وطار
38) ولا تنطح اللقوات الى صرت معسر // ترى الفَقِر يِرّث بالعظام فتار
39) ترى الفقر لو قالوا لك الناس هيّن // يهينك كما هان الهزيل فقار
40) يقصّر عزومك لو تهقويت هقوه // كما يقصّر للزمول هجار
41) ولا عيشة الصعلوك إلا شقيّه // سل الله عنها بالغناة جوار
42) مجالسك من ياجد ولا أنت واجد // يزيدك عند الموجبات حقار
43) تهوم المراجل ثم عنها يردك // عِسْرٍ كما رد الهجين هْجار
44) رجلٍ بلا مالٍ له الموت راحه // ورجلٍ بلا فضلٍ غناته عار
45) إلى هم بالجودا والى انه عضوده // عليها من القِدّ الشديد وسار
46) ما تفتكر بالطير الى بات جايع // تباطا سنا نور الصباح وطار
47) واحذر عن الرديان لا تقرب ارضهم // ولا تسكن ارض العايلين بدار
48) وهْدوم خطو الرجل لا تعتبر بها // يشبه لذانون عليه غْبار
49) الانثى ولو سنّيتها كل ساعه // كثر سَنّها بما لا يكون دمار
50) هذا وانا ما في ضميري كد انقضى // تراه في مبدا الكتاب حضار
51) صلوا على خير البرايا محمد // عدد ما سعى ساعي الحجيج وزار
52) وآله وصحبه من تبع ملّةٍ لهم // عدد ما تعاقب ليلها ونه