إنها الحياة أيها الإخوة، كما تبدأ ببكاء المولود القادم إلى دارٍ لا يعلم ما حاله فيها تنتهي ببكاء أهله عليه إذ يرحل إلى دارٍ لا يدرون ما حاله فيها. و فيما بينالبكاءين أحوال وأهوال وأفراح و مصائب وغنى وفقر وحزنٌ وسرور ، ويمر من هذه الدار الدنيا كأن لم يلبث إلا ساعةً من نهار ، و بعد رحيله بأيام ينساه من حزنوا لفراقه و يمارسون حياتهم كأن لم يصحبهم فيها ، وهم في سيرهم يتعرضون لما تعرض له من السرور والأحزان ثم يلحقون به فالطريق واحدة. وكلنا يعرف ذلك حق المعرفة ، لكننا نغفل عن تلك الحقيقة ؛ فكم ترى في الحياة من ذاهلٍ عما خُلِق له ، و لاهٍ والمنون تتربص به ، فلا هو يغتنم ساعات حياته فيما ينفعه في الحياة الآخرة الباقية ، و لا هو راضٍ عن معيشته وما أنعم الله به عليه فتراه ساخطاً يندب حظه ، ويشكو حاله إلى من لا تفيده الشكوى إليهم ، بل تزيده عناءً و هماً. وقد أخبرنا الله في كتابه الكريم أنه خلق الإنسان في كبد ، وأن من أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكا ، وأمرنا سبحانه بالاستعانة بما يعيننا في هذه الحياة؛ فقال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ). و نعم العون هما لكل مهموم ، ونعم العون هما لكل محتاج ، الصبر يحفظ للإنسان كرامته و به يزداد أجره إذ يتعبد لربه بالصبر على القضاء والرضا به ، والصلاة تصله بالله الكريم الذي لا يرد سائلاً و لا يخيب راجياً. فيا أيها المهموم و لما تُصب: أتخشى الفقر و ربك الكريم لا ينفد ما عنده ؟ أتخشى المرض و ربك يقول : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) أتخشىالوحدة و كتاب الله خير أنيس ؟ و مجالس الذكر وحلق العلم في بيوت الله التي أذن أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ و لا بيعٌ عن ذكر الله. أتخاف على فلذة الكبد و على أحبتك مما ليس بيدك دفعه عنهم إن قضاه الله ؛ بل ولا تدفع عن نفسك. إن الطريق الصحيح لطمأنينة النفس وسكينة الفؤاد وراحة القلب هو في التعرف إلى الله بصفاته و أسمائه ، ومعرفة فضله وإنعامه ، و اللهج بذكره وشكره. إن الطريق الصحيح لطمأنينة النفس هو في الصبر؛ فهذه الدنيا الابتلاء فيها حق ، قال تعالى : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ، وقال تعالى : ( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) ، فلا تستغرب أن يقع البلاء ، و وطن نفسك إن وقع على الصبر والرضا. وإن ابتليت بمكر الناس ففوض الأمر إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد يقتص للمظلوم من الظالم . ولا ترين الناس إلا تجملاً *** نبا بك دهرٌ أو جفاك خليل و إن ضعفت يوماً و اهتزت ثقتك بربك ، فتدارك نفسك بعودة سريعة و أوبة إلى الرحمة والهدى إلى كتاب الله وتلاوة آياته متدبراً متفكراً . وهناك أمرٌ مهم جداً رأيته في كثير من اليائسين القانطين النادبين حظوظهم و مصائبهم ألا وهو أنهم يظلمون غيرهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، فقد رأيت من يذهب للرقاة ويقرأ سورة البقرة كل ليلة ، و يطلب من الصالحين الدعاء له بالشفاء وهو مقيمٌ على ظلم امرأته الضعيفة يسلبها حقها و يُسئ معاملتها و مع محاولاته لطلب الشفاء والنجاة من همومه وغمومه إلا أنه لا يتوب عن ظلمه لزوجته ولا يتوقف عن حيفه عليها ولا ينتصح بنصيحة ناصح ، فما يدريه أن يكون ما أصابه من الغم والهم بسبب ظلمه وأن الرقية لا تفيده ما دام مقيماً على الظلم ، ومن العجب أنني قد صارحته بذلك فإذا به يصور نفسه هو المظلوم وأنه هو الصابر عليها ، فيقلب الحقائق ليبرئ نفسه و يخادع الناس وما يخدع إلا نفسه. وألخص لك أيها القارئ الكريم مقالي هذا في ثلاث كلمات تسعد إن قمت بها : -الصبر. -الصلاة. -الابتعاد عن ظلم الآخرين. وإن تقوى الله تجمع لك ذلك. قال تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )