المعنى اللغوي للحجاز عند العرب يعني الفصل بين الشيئين، وهي كما ترى لا تختلف
في مجملها ومؤداها عن الحجز والمنع والفصل وذلك ماينطبق جغرافياً على الحجاز.
في مادة حجز من "لسان العرب" قال: الحجز: الفصل بين الشيئين، حَجَز بينهما
يحجز حجزاً فاحتجز؛ واسم ما فصل بينهما الحاجز. وقيل: الحجز أن تحجز بين
متقاتلين، والحجاز الاسم، وكذلك الحاجز. ومن ذلك:
قول الله تعالى:
{أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعــل بين البحــرين حـاجــزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} الآية (1)
التحديد الجغرافي :
نعرض فيما يلي جملة من الآراء لعدد من الفقهاء والجغرافيين والمؤرخين من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين. التي تحدد المقصود من الحجاز جغرافياً.
ما أن يذكر الحجاز إلا وتتوق النفوس شوقاً
ففيها بيت الله الحرام وكعبته المشرفة، ومشاعر الحج، منى وعرفات ومزدلفة، وفيه مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومرقده الشريف.
يرى الإمام الشافعي رحمه الله (ت 204) أن الحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها
أما الهمداني (ت334هـ) فيرى أن جبل السراة من أعظم جبال العرب ويمتد من قعرة اليمن حتى أطراف بوادي الشام لذا أسماه العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور (أي تهامة) وبين نجد، فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وحكم وكنانة وغيرها، ودونها إلى ذات عرق والجحفة (7)وما صاقبها وغار من أرضها، وأما ما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحدر إلى ناحية فيد وجبلي طيء إلى المدينة وراجعاً إلى أرض مذحج من تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازاً.(8)
ويحدد الإصطخري (ت340هـ) الحجاز بأنه ما كان من حد السرين على بحر فارس (9)إلى قرب مدين راجعاً في حد المشرق على الحجر إلى جبلي طيء ممتداً على ظهر اليمامة إلى بحر فارس فمن الحجاز.(10)
ونفس التحديد يراه ابن حوقل (ت367هـ) بالنص.(11)
وينقل البكرى (ت487هـ) جملة من الآراء حول تحديد الحجاز ومنها أن ذات عرق فصل مابين تهامة ونجد والحجاز، والحجاز: ما حجز فيما بين اليمامة والعروض، وفيما بين اليمن ونجد، كما أن الحجاز اثنتا عشرة داراً: المدينة، وخيبر وفدك، وذو المروة، ودار بلي، ودار أشجع ودار مزينة، ودار جهينة، ودار بعض بني بكر بن معاوية، ودار بعض هوازن، وجل سُليم، وجل هلال. وحد الحجاز الأول بطن نخل وأعلى رُمة وظهر حرة ليلى. والثاني مما يلي الشام: شغب وبدا. والثالث مما يلي تهامة وبدر والسقيا ورُهاط وعكاظ. والرابع مما يلي ساية وودان، ثم ينعرج إلى الحد الأول بطن نخل وأعلى رُمة. ومكة من تهامة، والمدينة من الحجاز. (12) وهو يشير بذلك إلى السراة. كذلك الحال بالنسبة لياقوت (ت626هـ) الذى يرى أن الحجاز يمتد من تخوم صنعاء من العبلاء وتباله إلى تخوم الشام، كما يذكر قولاً آخر أن فلسطين من الحجاز.(13)
ولابن المجاور (ت691هـ) رأي في تحديد الحجاز يلتقي فيه مع الاصطخري من أنه يمتد من السرين على بحر فارس إلى قرب مدين إلى حد الشرق على هجر إلى جبلي طيء ممتداً على ظهر اليمامة إلى بحر فارس من الحجاز.(14)
أما الفاسي فإنه يناقش الآراء حول تحديد الحجاز ويفند بعضها مثل القول أن نجران من مخاليف مكة مشيراً إلى أن نجران ليست من الحجاز وإن كانت من مخاليف مكة وينفي أيضاً أن تكون بلاد بجيلة (15)من الحجاز. ويؤيد رأي الإمام الشافعي في تحديد الحجاز.(16)
ويقدم أحمد الشريف تحديدًا للحجاز لعله أكثر وضوحاً حيث يرى أن الحجاز في العرف لا يقتصر على الجبال الممتدة من خليج العقبة إلى عسير بل يشمل تهامة. ويقدر المسافة من الشمال إلى الجنوب بـ سبعمائة ميل طولاً، ومائتين وخمسين ميلاً عرضاً. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن هذه الأطوال قد تتفاوت من موقع إلى آخر بحسب قرب الجبال وبعدها عن البحر، ويشمل القسم الشمالي من الحجاز في رأيه أرض مدين "وحسمي"، وهي الجبال الواقعة شمال تبوك مما يلي أيلة "العقبة".(23)