الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فإن أعظم نعيم لأهل الجنة رؤية الله - تعالى -، وهي الغاية التي شمّر لها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون، وحُرمها الذين هم عن ربهم محجوبون، وعن بابه مطرودون؛ قال - تعالى -: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: 22- 23]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)«تنظر إلى ربها - عز وجل -»[1].
وقال - تعالى -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)[المطففين: 15]، احتج بها بعض السلف على الرؤية لأهل الجنة، قال الشافعي: في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه - عز وجل - يومئذ.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: وعذاب الحجاب من رب العالمين المتضمن لسخطه وغضبه عليهم هو أعظم عليهم من عذاب النار، ودل مفهوم الآية على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة، ويتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، ويبتهجون بخطابه ويفرحون بقربه، كما ذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن، وتواتر فيه النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[6]. ا. هـ.
أولاً: الإيمان بالله وتوحيده، قال - تعالى -: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس: 26]، والإحسان أعلى مراتب الإيمان.
ثانياً: المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر؛ روى البخاري ومسلم من حديث جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: كنا جلوساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: «أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا» يعني العصر والفجر، ثم قرأ جرير: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)[طه: 130][10].
ثالثاً: الابتعاد عن المعاصي والذنوب، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرارٍ، قال أبو ذر خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»[11].
رابعاً: الدعاء قال - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186].
روى النسائي في سننه من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطعُ، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين»[12].
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.