كتبت أكثر من مرة عن انغلاق منافذ الاستثمار أمام البسطاء من الناس، خاصة أولئك الذين اقتربوا من التقاعد أو تقاعدوا فعلا ولديهم مبلغ معقول "في نظرهم" بعد سنوات طويلة من الكفاح. كان يجب أن تصبح سوق الأسهم السعودية واحدة من أفضل المنافذ الاستثمارية، لكن ـ مع الأسف - فإن العوائد غير مجدية حتى الآن، خاصة أن السوق غير مستقرة وغير واضحة الاتجاه. هناك شركات قليلة تعطي عوائد سنوية تقترب من 9 في المائة أي قريبا من عوائد العقار ومع ذلك فإن الخطر الدائم يلوح في سماء سعر السهم السوقي، فتراه يهوي بأكثر من 15 في المائة من سعره وفي سنة واحدة وعوائده لا تتجاوز 5 في المائه ثم يبقى على هذه الحال متذبذبا، وهذا إن كان لا يضر المؤسسات الاستثمارية الكبرى التي ترى العائد ولا تهتم بالتقلبات السعرية المؤقتة إلا أنه يرعب المواطن البسيط، الذي يعرف بأنه قد يحتاج إلى بعض السيولة، وكان يريد من سوق الأسهم تأمينها له من خلال ارتفاع سعر السهم في السوق أو تدفقات منتظمة من ال الجيدة. المشكلة الثانية التي بدأت تلوح في أفق سوق الأسهم هي كثرة المشكلات، التي تتعرض لها الشركات، خاصة المدرجة حديثا، فلم تعد المخاطر في انخفاض سعر السهم، بل تجاوزته إلى تعليق السهم ومنع التداول عليه، وبهذا فإن أموال البسطاء تصبح تحت رحمة مجلس إدارة من الأثرياء الذين لديهم بدلا من هذه الشركة عشرا، خاصة أن تقريرا لـ "الاقتصادية" أوضح بوجود سيطرة كبيرة للعائلات التجارية على مجالس إدارات الشركات وفي عدد من القطاعات. فمثلا أشار التقرير إلى أن ثلاث عائلات تسيطر على أكثر من 56 في المائة من مجالس إدارات ثلاث شركات، ورغم النداءات المستمرة والدعوات الصادقة إلى تطبيق قواعد الحوكمة بشكل جدي وليس صوريا، فلم تزل العائلات التجارية تتبادل المراكز في المجالس المختلفة، فمن هو مستقل في هذه هو تنفيذي في تلك، ويمكن لأحد الأبناء أن يكون مستقلا في عدد كبير من الشركات. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يحتاج إلى دراسة وافية للتحقق منه وتتبع آثاره، لكن آثار ضعف الحوكمة في الشركات السعودية واضح جدا، فمنذ أن تم إقرار لائحة الحوكمة لم يحدث تصحيح حقيقي في مسار أي شركة خاسرة (باستثناء عدد محدود جدا). إن ما يقلق أكثر هو أن تتحول المنافسة إلى صراع، وأن يتم استخدام سوق الأسهم والشركات المساهمة مسرحا له، ولعل ما يحدث من صراع حول وضع شركة الاتصالات المتكاملة يوضح ما يحدث. لقد ناقشت موضوع الشركة المتكاملة من قبل وبالتفصيل وهو ليس موضوعي اليوم، بل الموضوع هو صراع مجالس الإدارة الذي يوهم بوجود صراع بين الشركات ويضر بوضع الشركات في سوق الأسهم. وكما قلت فلن يتضرر إلا المساهم الصغير. ففي خبر نشرته "الاقتصادية" وناقشت فيه عددا من الخبراء حول تقدم الشركة المتكاملة بدعوى أمام لجنة المنازعات المصرفية ضد مصرف الراجحي لعدم تسييل الضمانات الخاصة في الشركة. لقد قرأت الخبر مرة بعد أخرى ثم قرأت الجدل القائم بين القانونيين بهذا الشأن، ولست قانونيا كي أفتي في هذا لكن ما هو دخل الشركة في الموضوع كله؟ لماذا يقحم اسم الشركة في القصة، خاصة بعد أن تم إجبار المؤسسين على دفع المبالغ المقررة عليهم ضمن حصصهم. ما حدث سابقا في المتكاملة يتكرر اليوم، ففي بداية المشكلة رفض المصرف تسييل الضمانات الموجودة والمصرف موجود والمؤسسون موجودون وكل ملتزم بما عليه أمام الشركة، ثم تحفظ المراجع (وله الحق) على موضوع مختلف تماما وهو دين الشريك، وفقا لمخالفة صريحة لنظام الشركات، لكن جاءت نتيجة كل ذلك في معاقبة المساهم البسيط، حيث تم إيقاف التداول على الأسهم. ولقد تساءلت حينها ما علاقة المساهمين والتداول بتلك المشكلة؟ دين على أطراف وحق للشركة مكفول وواضح فلماذا تم إيقاف السهم؟ واليوم تم إيداع كل المبالغ في حسابات الشركة والشركة تعمل بطريقة عادية – إذا كانت كل هذه المعلومات صحيحة – فما دخل الشركة بقضية الضمان مرة أخرى والدعوى المرفوعة؟ لا علاقة للشركة مع البنك ولا علاقة للبنك مع الشركة، العلاقة واضحة بين كل من الضامن وهو البنك والمستفيد وهي هيئة الاتصالات وبين المضمون وهم المؤسسون، فأين الشركة المتكاملة في كل هذه القصة؟ الأموال لدى الشركة الآن (مرة أخرى إذا كانت المعلومات المتاحة صحيحة ووافية)، وهي تعمل، ولم تتضرر برفض البنك لتسييل الضمان (كما أشرت في المقال السابق) الذي تضرر فعلا هم المؤسسون وهم من عليهم رفع الدعوى بأسمائهم وأسماء شركاتهم، وليس باسم الشركة المتكاملة. اتركوا الشركة تعمل واتركوا المساهم الصغير يستثمر دون تهديد بأن أمواله معرضة للضياع بسبب مجلس إدارة لديه شركات لا تحصى وعالم من الاستثمارات ليس له حدود، ويكفينا التجربة المرة لشركة المعجل فقد أصابت الكثير من صغار المستثمرين بإحباطات وبمصائب مالية في الوقت الذي لم يشعر مجلس إدارتها وكبار الملاك فيها بأكثر من أزمة مالية لشركة في أطراف المجموعة.