لم يبقَ أمام الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، سوى سبعة أسابيع في منصبه، لكنه أعطى كبار مستشاريه الضوء الأخضر لصد إيران والضغط على النظام بأي طريقة ممكنة، بشرط عدم المجازفة بحرب كاملة قبل تنصيب جو بايدن.
فوفقاً للعديد من المسؤولين الأميركيين المطلعين على الأمر، أشرف ترمب خلال الأسابيع الأخيرة شخصياً على ملف إيران والضغط عليها. لكنه أعطى بعضاً من أكثر مسؤولي إدارته تشددا، ولاسيما كبير دبلوماسييه، مايك بومبيو، تفويضاً مطلقاً للضغط على طهران ومعاقبتها بقوة في الأسابيع المقبلة، بشرط عدم التسبب بـ" حرب عالمية ثالثة"، بحسب ما نقلت صحيفة "ديلي بيست الأميركية، اليوم الأربعاء، عن اثنين من كبار المسؤولين في الإدارة.
نظام عقوبات خانق
وقد ترك ذلك مجموعة من الخيارات تحت تصرف إدارة ترمب - من بينها نظام عقوبات خانق وصمت مدروس حول اغتيال المسؤولين الإيرانيين.
كما أضاف المسؤولان اللذان تحدثا للصحيفة أنه "من المقرر أن تعلن الإدارة عن عقوبات جديدة على الشركات والأفراد المرتبطين بالنظام في الأسابيع المقبلة لتعزيز الجهود المستمرة منذ سنوات لشل اقتصاد طهران".
إلى ذلك قالت مصادر مطلعة إن هذه الإجراءات تهدف إلى المساعدة في تحقيق رغبة العديد من مسؤولي ترمب، ألا وهي عرقلة العودة الأميركية المحتملة إلى الاتفاق النووي مستقبلاً.
بومبيو وأبرامز.. رأس الحربة
وفي السياق أشار مسؤولون في الإدارة، تحدثوا إلى الصحيفة دون ذكر أسمائهم، إلى كل من بومبيو وإليوت أبرامز، الممثل الخاص لإيران، بصفتهما قادة المحاولة الأخيرة للإدارة لضرب النظام.
كما أوضحوا أن الوزير الأميركي والممثل الخاص يؤيدان الإجراءات القاسية، بما في ذلك الدعم الهادئ للأعمال السرية التي تنفذها جهات فاعلة أخرى.
إلى ذلك، لفت مسؤول كبير آخر في الإدارة إلى أن مديرة وكالة المخابرات المركزية، جينا هاسبل، منخرطة بشكل وثيق في تلك الاستراتيجية السرية الضاغطة المتعلقة بإيران.
يذكر أن ترمب لطالما أكد لمستشاريه مراراً وتكراراً أن إحدى أولوياته هي تجنب المواجهة مع إيران التي قد يموت فيها عسكريون أميركيون، لكنه في الوقت عينه مرتاح للسماح لإسرائيل بأخذ زمام المبادرة في استهداف أو حتى قتل شخصيات النظام الإيراني في الأسابيع الأخيرة من رئاسته، بحسب ما أوضح المسؤولون.
مقتل فخري زاده وتكتم ترمب
وفي ما يتعلق بقضية مقتل العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده، فقد أكد مسؤولان كبيران في إدارة ترمب أن إسرائيل تقف وراء الهجوم.
كما قال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية تقدم النصح لإدارة ترمب بشأن إيران: "من الواضح أن هناك علاقة عمل وثيقة بين رئيس الموساد يوسي كوهين وهاسبل".
وكانت الإدارة الأميركية الحالية اختارت أن تظل متكتمة إلى حد كبير فيما يتعلق بمقتل من يوصف بـ"عراب النووي الإيراني". وفي السياق أفاد مصدر مقرب من ترمب بأن العديد من المستشارين والمسؤولين نصحوا الرئيس في الأيام القليلة الماضية بتجنب التغريد المجاني عن الاغتيال.
إلى ذلك قال المسؤولان الكبيران في الإدارة إن المناقشات حول اتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من جهود إدارة بايدن بشأن إمكانية التفاوض على صفقة جديدة مع إيران تكثفت هذا الصيف وتزامنت مع العديد من العمليات السرية الإسرائيلية، بما في ذلك مقتل نائب زعيم القاعدة أبو محمد المصري في إيران، وزرع إسرائيل قنبلة في إحدى منشآت الطرد المركزي الإيرانية.
في حين علق دوبويتز قائلاً: "يفهم الإسرائيليون أنه من الآن وحتى 20 يناير سيحتاجون إلى إلحاق أكبر قدر من الضرر بالنظام في طهران".
معلومات استخبارية
وشدد أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية على أن استراتيجية ترمب خلال الأسابيع القليلة المقبلة واضحة، ومفادها: "استمروا في استخدام العقوبات كأداة ردع مع توفير معلومات استخبارية للحلفاء الإقليميين، مثل إسرائيل، الذين لديهم هدف مشترك يتمثل في إلحاق الضرر بالنظام الإيراني".
يشار إلى أن هذه الخطة الأخيرة لا تختلف كثيراً عن تلك التي وضعتها إدارة ترمب موضع التنفيذ على مدى السنوات الأربع الماضية. فمنذ أن تولى الرئيس الجمهوري منصبه، ساعدت مجموعة من كبار المسؤولين والمستشارين والجماعات المناصرة الخارجية في صياغة وتنفيذ حملة "الضغط الأقصى" على إيران، والتي اعتمدت في المقام الأول على تنفيذ أكثر من 1000 عقوبة على المسؤولين المرتبطين بالنظام والشركات الإيرانية، بينما تستهدف سراً أصول طهران في الخارج.
الاختلاف الوحيد
أما الاختلاف الوحيد الآن، بحسب المسؤولين، فهو أن الإدارة لا تريد فقط معاقبة إيران، بل تريد أيضاً أن تعرقل أي إمكانية للعودة إلى الاتفاق النووي.
ويعتقد الأفراد المشاركون في صياغة تلك الاستراتيجية تجاه إيران أن حملة الضغط الأقصى ستحد من قدرة بايدن على العودة إلى المسار السابق مع طهران، وذلك بسبب صعوبة رفع بعض العقوبات، خاصة تلك التي تركز على حقوق الإنسان والإرهاب.
أما في ما يتعلق بتفاصيل العقوبات المقبلة، فقال المسؤولون المطلعون إن الشركات متعددة الجنسيات قد تنفر بشدة من التعامل مع إيران الآن، لدرجة أنه حتى لو رفع بايدن العقوبات، فإنها لن تنخرط في علاقات تجارية طبيعية مع طهران.
ويقول الأفراد المطلعون على تفكير فريق بايدن إن الرئيس المنتخب لديه استراتيجية واضحة للتعامل مع إيران. وتعتمد هذه الخطة بشكل كبير على رغبة الرئيس المنتخب في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) - الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه خلال إدارة باراك أوباما - إذا عادت إيران إلى الامتثال.
كما أوضح جاريت بلانك، المنسق السابق للتنفيذ النووي الإيراني في وزارة الخارجية في عهد أوباما: "إذا أخذت إيران الطُعم، وهو النية الواضحة وراء "اغتيال فخري زاده"، فمن المحتمل أن يجعل من المستحيل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة والدبلوماسية. وإذا لم تأخذ إيران الطُعم.. لا أعلم فهذا يغير بالفعل الخيارات التي ستواجه فريق بايدن أو إيران في يناير".