تملكني العجب من أحد الكتاب وهو أستاذ بجامعة الكويت حيث كتب مقالا في إحدى الصحف اليومية مستنكراً دعاء المسلمين لأهل غزة ونشر الرسائل النصية التي تتطلب الدعاء لهم بالثبات وأن يهلك الله اليهود.
وقد وقع الكاتب في تناقض عجيب عندما أنكر أثر الدعاء أو استجابة الله تعالى لدعاء المسلمين في بداية المقال ثم في نهاية المقال دعا الكاتب إلى اقتصار المسلمين على الدعاء لأهل غزة بأن يخفف الله عنهم وعن آلامهم وأن يهديهم الله تعالى لشراء الطعام والدواء فقط من دون الدعاء على اليهود.. الغاصبين المجرمين، ويبدو أنه متعاطف مع اليهود.
وقد حوت مقالة الدكتور جهلاً فاضحاً في العقيدة وسنن الله الكونية.
حيث قال: «أود أن أسأل: هل أحد قد قرأ أو سمع أو رأى أنه في التاريخ الحديث قد تدخل سبحانه وتعالى لنصرة طرف ضد آخر في الحروب مدللا على حدوث الحروب بين المسيحيين (النصارى) والمسلمين واليهود مع بعضهم بعضا أو غيرهم.. ثم يقول: «وهناك إجماع بين الناس على أنه ما من أحد قد رأى أو قرأ أو سمع عن تدخل من الخالق سبحانه مع فريق ضد آخر».
وهكذا الكلام فيه تخبط من الكاتب هداه الله تعالى إلى الحق، فالدعاء ثابت بالكتاب والسنة وهو من المعلوم بالدين بالضرورة.
قال الإمام الخطابي: أما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد وذلك أن الله تعالى أمر بالدعاء وحض عليه فقال: ?ادعوني استجب لكم? غافر60/.
وقال تعالى: ?قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم? الفرقان77/.
ومن أبطل الدعاء فقد أنكر القرآن، ورده، ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه.
والدعاء مطلوب من كل مسلم وتعريفه: هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له، وقيل: هو طلب كشف الغمة بتطلع موضع القسمة.
وفي قوله تعالى: ?وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان? أي أعطيه إذا سألني، وقال ابن مجد الهتيمي رحمه الله: قال بعض المبتدعة بإبطال الدعاء من أصله، وقالوا لا فائدة له، لأنه إن سبق وصول المدعو به للداعي فالدعاء بوصوله عبث.. وقد رد أهل السنة على هذه الشبهة بأن المعبر عنه باللوح المحفوظ القابل للتغيير والتبديل كما قال تعالى ?يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب? الرعد39/
فالدعاء لا ينافي القدر والمحو والإثبات على الصحيح إنما هو في المكتوب عند الملائكة، وأما اللوح المحفوظ فلا يقع فيه محو ولا إثبات.
ومن فوائد الدعاء جلب المنافع ودفع المضار وقرب العبد من ربه ومعرفته له سبحانه وإقراره به وبأنه سميع قريب قدير عليم رحيم، وإقراره بفقره إليه واضطراره إليه والدعاء لا يخيب أبدا كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وقد بين الإمام الخطابي أن الذي يدل عليه الكتاب والسنة والفطرة والعقل والمشاهدة والحس، أن الدعاء سبب من الأسباب وأن له تأثيرا في المطلوب المسؤول كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة، والقول بذلك مذهب أهل الملل كلهم سوى من شذ منهم.
وقال العلامة ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوي: الذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع، ودفع المضار.. وذهب قوم من المتفلسفة، وغالبة المتصوفة إلى أن الدعاء لا فائدة فيه.
وكل ذلك مردود كما أوضحنا سابقا...وقد ثبت من الكتاب والسنة أن من أسباب النصر والتمكين لأمة الإصلاح هو الدعاء، وبين ربنا سبحانه وتعالى أن من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء، وقال تعالى عن زكريا عليه السلام ?ولم أكن بدعائك ربي شقيا? مريم4/.
والدعاء له منافع وفوائد كثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته وإما يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها).
وقد ورد عن الأنبياء والرسل عليه السلام ما يدل على اهتمامهم بالدعاء وأنه من أسباب النصر والأدلة على ذلك كثيرة، كدعاء يونس عليه السلام ?فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستبجنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المومنين? الأنبياء88/.
وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود والمشركين وغيرهم حيث قال في غزوة الأحزاب في دعائه على المشركين (اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب اهزم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم).
ولكن ننبه المسلمين إلى أن للدعاء شروطا هي الإخلاص لله تعالى واليقين بوعد الله ونصره والتوكل عليه وألاَّ يستعجل أو يضجر من تأخر الإجابة، وعلى أمة الإسلام ترك المعاصي والذنوب وإحسان العبادة لله تعالى وتوحيد الله تعالى وبذل الأسبابب الموجبة للنصر.
ولله در الإمام الشافعي حينما قال:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء
اللهم انصر اخواننا المستضعفين في غزة وفلسطين وفي سائر بلاد العالم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.