خلال الساعات القليلة الماضية، شهدت منطقة القوقاز توترا جديدا إثر تطور الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان، وتجدّد العمليات العسكرية في إقليم "ناغورنو كراباخ"، وسقوط قتلى في المعارك.
واعتبرت الأعمال العسكرية هذه أعنف اشتباكات بين البلدين منذ العام 2016، ما أثار من جديد مخاوف بشأن الاستقرار في جنوب القوقاز الذي يعد ممراً لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
سبب النزاع بين البلدين يرجع لنحو قرن مضى وتسبب فيه الرئيس الروسي الراحل جوزيف ستالين، وتحاول تركيا استثماره لتنفيذ مخطط وحلم قديم لها بالتواجد الفعال في الإقليم المتنازع عليه.
قنبلة موقوتة في القوقاز
ويكشف بيرج ترزيان، رئيس الجمعية الأرمينية السابق في مصر، تفاصيل النزاع لـ"العربية.نت"، قائلا إنه في العام عام 1805 أصبحت هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من روسيا، وخلال عهد الرئيس الراحل جوزيف ستالين قام بتطبيق سياسة إشعال العداء بين الإثنيات لتسهيل عملية السيطرة على كافة الأقاليم الخاضعة لبلاده، فقد كان الإقليم يسكنه نحو 95%من الأرمن، وكانوا يريدون الانضمام لأرمينيا ورفض ستالين ذلك، وأمر بضم الإقليم لأذربيجان مع منحه حق الحكم الذاتي، وهو ما كان بمثابة قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت.
ناغورنو كراباخ.. المعنى والمقصد
ويضيف قائلا لو نظرنا لاسم الإقليم مثلا سنجد أن كلمة "ناغورنو" تعني بالروسية مرتفعات، أما كلمة "كراباخ" فتعني الحديقة السوداء، ولذلك يمكن ترجمة الاسم إلى مرتفعات الحديقة السوداء، بينما يعرف الإقليم عند الأرمن باسم ارتساخ، وهي كلمة مكونة من جزأين، الأولى "أرا" وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء، والثانية تعني الكرمة، لذلك يعني الاسم الأرميني "كرمة الإله أرا"، أما الأذر فيعرفونها باسم كراباخ.
خلال السنوات التي كان الإقليم خاضعا فيها لسلطة الاتحاد السوفيتي القديم، حدثت تغييرات في التركيبة السكانية لكن ظلت الأغلبية للأرمن، وعقب تفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1991 ورغبة كل الدول الخاضعة له في إعلان استقلالها، أعلنت أرمينيا استقلالها وكذلك أذربيجان، فيما ظل الإقليم يمثل مشكلة حيث استقل ذاتيا دون اعتراف دولي.
ويضيف ترزيان أنه وفي بدايات العام 1992، أعلن الانفصاليون في الإقليم الاستقلال عن أذربيجان وتم إجراء استفتاء بالفعل انتهى بإعلان الاستقلال إلا أنه لم يلق الاعتراف الدولي، ما أدى لتدخل عسكري من أذربيجان لإخضاع الإقليم لسلطتها وولايتها، وقابلته أرمينيا بالتدخل لمساندة السكان الأرمن.
وفى مايو 1994، قبلت جميع الأطراف الاتفاق على هدنة عرفت باسم هدنة منسك بعد مفاوضات في عاصمة بيلاروسيا بمشاركة أميركا وفرنسا وروسيا، وحتى الآن كما يقول المسؤول الأرميني ظل إقليم ناغورنو كراباخ منطقة انفصالية تتمتع بالحكم الذاتي تعيش فيها أغلبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان، كما شهدت المنطقة بسببه نزاعات وتوترات وحروبا بين البلدين، مضيفا أنه في نوفمبر من العام 2008 وقع البلدان إعلانا يدعو إلى تسوية سلمية للنزاع، إلا أن المعارك تواصلت حيث شهد عاما 2014 و2016 اشتباكات وصدامات عسكرية، كان آخرها ما حدث خلال اليومين الماضيين.
لكن لماذا تتدخل تركيا وتمد أذربيجان بالسلاح والمرتزقة في نزاعها مع أرمينيا؟ يقول ترزيان إن ذلك يرجع لسببين: الأول هو نكاية في أرمينيا التي مازالت تؤرق تركيا بقضية الإبادة الشهيرة للأرمن، والثاني أن تركيا تراودها من جديد أحلام العودة للإمبراطورية العثمانية، وتريد السيطرة على الإقليم ليكون امتدادا لها نحو الصين ويصبح لها تواجد في أكثر مناطق العالم من حيث الأهمية الاستراتيجية لكونها مناطق نقل الغاز والنفط العالمية.