تزامنا مع بدء حملة الاعتقالات في العراق لمكافحة الفساد تحت مظلة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.. يبدو لافتا التغيرات التي حدثت في مناصب رفيعة بينها منصب محافظ المركزي العراقي علي العلاق وتعيين مصطفى غالب خلفاً له!
هذا التغير في منصب مالي رفيع المستوى إن دل على شيء، فهم حجم الفساد الذي تغلغل في رأس هرم الاقتصاد العراقي ومؤسساته المالية والمصرفية.
في تحقيق عمل عليه موقع "العربية.نت"، بالتعاون مع مصادر عراقية فضلت عدم الكشف عنها لاعتبارات أمنية، كشف عن شبكة كبيرة من رجال الأعمال والمصارف العراقية التي تستحوذ على ما يسمى بنافذة بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي.
ليتبين، وبالوثائق التي سنستعرضها، أنها شركات وهمية تابعة لأشخاص عراقيين موالين لإيران تحصل على الدولارات المدعومة من المركزي العراقي بحجة استيراد السلع والبضائع للعراق.
ولكن كيف يتم ذلك؟
تصف المصادر "نافذة مزاد العملة" في بغداد على أنها بوابة الفساد لتدفق الأموال إلى إيران وتمويل ميليشياتها بأموال النفط العراقي، حيث يقوم عادة البنك المركزي العراقي بعد استحصاله على إيرادات النفط ببيع الدولارات للمصارف الأهلية العراقية التي بدورها تبيعها للشركات العراقية بموجب طلبات لاستيراد سلع و بضائع.
المفارقة هنا، أن جزءا من طلبات الاستيراد هذه "وهمية ومزورة" أيّ أنه يتم بيع الدولار بأسعار مدعومة للمصارف بواسطة "مزاد العملة"، دون وجود بضائع يتم استيرادها بالمقابل، ليتم تحويل هذه الأموال لشركات صرافة لها علاقة بإيران، أو بتنظيم داعش، رغم أنها تعرضت لعقوبات أميركية ودولية.
بالإضافة إلى ذلك، فهذا الأمر يعتبر مخالفة لقانون الموازنة العامة الاتحادية للدولة العام 2015 الذي حدد مبيعات البنك المركزي العراقي بـ 75 مليون دولار يومياً، أما اليوم فيتراوح المبلغ كمتوسط بين 150 - 200 مليون دولار أي قرابة 3 أضعاف المبلغ المقدر المحدد بالقانون، وهذا ما تظهره نتائج نافذة بيع العملة الأجنبية التي ينشرها "المركزي" على موقعه الرسمي.
اللافت هنا، أن المحكمة الاتحادية العراقية ألغت فيما بعد 8 فقرات من الموازنة المالية للعام 2015 بما فيها المادة 50 الخاصة بتحديد سقف لمبيعات البنك المركزي وهو ما تعرض لانتقادات شديدة آنذاك من أعضاء في اللجنة المالية.
فقد اعتبرت النائب ماجدة التميمي، أن القرار يعد ضربة لجهود مكافحة الفساد في دوائر الحكومة آنذاك أيّ في العام 2015.
ولدى التدقيق في المصارف الخاصة التي تحصل على الدولارات المدعومة لتسلمها للتجار العراقيين، نجد أن قرابة نصف البنوك التي تشارك في نافذة بيع العملة الذي يشرف عليه البنك المركزي العراقي تعود لشخصيات موالية لإيران أو مقربين من شخصيات سياسية تابعة لإيران، وهذا ما يدر عليها أرباحا طائلة.
1- مصرف الهدى
منع مصرف الهدى، عن المزاد سابقا في 2015 من قبل البنك المركزي العراقي لوجود مخالفات قانونية.
وتظهر إحدى الوثائق، التي أعدها رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي الراحل أحمد الجلبي، كيف قام مصرف الهدى الذي يملكه حمد الموسوي، (وهو مقرب من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حليف إيران السياسي)، في الفترة ما بين 2012 – 2015 بشراء ما قيمته 6.5 مليار دولار لصالح 3 شركات للتحويل المالي هي:
1- الطيب للتحويل المالي و التي أسسها ويديرها آنذاك حمد الموسوي نفسه.
2- المهج للتحويل المالي ويملكها حسن ناصر اللامي (المقرب من إيران).
3- عراقنا للتحويل المالي، تحولت لاحقاً إلى شركة الرواحل للاستثمار والتمويل ثم ألغى البنك المركزي إجازتها بسبب مخالفات قانونية.
وللعلم هنا، أنه مؤخرا طالب مجلس القضاء الأعلى/ محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية، في 8 -8- 2019 برفع الحصانة عن حمد الموسوي بجريمة الاستيلاء على أموال في قضية أخرى.
و تبيّن لاحقاً من خلال الوثائق أن شركة المهج للتحويل المالي كانت قد تعاملت مع شركة الراوي للصرافة لتحويل مبالغ لا تقل عن 547 مليون دولار خلال سنة 2014 فقط، وفق الجلبي.
المفاجأة الكبرى هي أن شركة الراوي للصرافة تعرضت لعقوبات في أبريل 2019 من قبل وزارة الخزانة الأميركية وذلك على خلفية تمويلها للإرهاب.
وبحسب ما جاء في تقرير وزارة الخزانة الأميركية، يشكل الأفراد الستة، الذين تم إدراجهم في القائمة السوداء القوام الرئيس لما يعرف باسم "شبكة الراوي"، وهم مشتاق طالب زغير الراوي، المواطن العراقي المقيم في بلجيكا، والذي يقود عمليات الشبكة في تركيا والعراق، بالإضافة إلى نجله واثنين من إخوته، مع اثنين آخرين من أقاربه.
ويشير بيان وزارة الخزانة الأميركية أنه اعتبارًا من تشرين الثاني 2017، أشرف مشتاق الراوي على تحويل أموال لداعش باستخدام شبكة الحوالات عبر العراق وتركيا حيث تم دفع رواتب الدواعش في سوريا.
بدوره المركزي العراقي قد نفى أيّ علاقة بين شركة شركة المهج للتحويل المالي وشركة الراوي للصرافة، ليأتي الرد سريعا من اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي مبيّنة كشوف حسابات لتحويلات مصرفية تمت بين المهج والراوي، كما تنبيّن المستندات أدناه.
بل أكثر ذلك حيث أظهرت وثيقة، حصلنا عليها صادرة عن وزارة التجارة العراقية/ دائرة تسجيل الشركات، أن قرابة نصف المبالغ التي تم بيعها من نافذ بيع العملة الأجنبية خلال خلال الفترة من 1/1/2014 لغاية 28/2/2015 لم يتم تحديد الجهات التي حصلت عليها حيث أن 29 شركة من أصل 32 أخرى هي غير مسجلة في سجل الشركات.
2- مصرف عبر العراق:
في هذا المصرف، تبرز العلاقة بين "حمد الموسوي" وحسن ناصر جعفر اللامي (المقرب من إيران) الذي يملك هذا المصرف، وأيضا صاحب شركة المهج للتحويل المالي التي كثرت الشبهات بشأن تعاملها مع شركة الراوي للصرافة (المتهمة بتمويل داعش من قبل التحالف الدولي)، وقام لاحقاً بتغيير اسم شركة المهج للتحويل المالي إلى مصرف القابض الإسلامي.
3- مصرف نور العراق الإسلامي
يمتلكه حسن ناصر جعفر اللامي أيضاً، كان تحت وصاية المركزي العراقي في 2012 ثم رفعت عنه في 2014.
المضحك المبكي، في قضية هذا المصرف، أنه في 31-10-2019 منعه البنك المركزي من مزاد العملة بعد وضعه على قائمة العقوبات الدولية وإدراجه على اللائحة السوداء.
رغم ذلك، يظهر مستند حصلنا عليه، أن هذا المصرف قد منح شهادة تقدير من قبل سوق الأوراق المالية في 16/2/ 2020، رغم إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن البنك المركزي العراقي استثناه من التعامل بالعملات الأخرى، غير الدولار، وحتى إشعار آخر بموجب قرار رقم العدد:436/3/9 و تاريخ 2019/10/31، وذلك في التفاف على العقوبات الدولية.
4- مصرف الشرق الأوسط الإسلامي
هذا المصرف منع من مزاد بيع العملة عام 2015، يمتلكه علي محمد غلام (مقرب من إيران) و يديره حيدر غلام حيث تعامل مع شركات وهمية لتحويل الأموال، بحسب الوثيقة الصادرة عن اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي.
وكان يملك شركة الندى للتحويل المالي تمكن من خلال مزاد بيع العملة من تحقيق أرباح والاستحواذ على أسهم مصرف الشرق سنة 2012. وتعامل مع شركة آفاق المستقبل التي تعرضت لعقوبات أميركية لتعاملها مع الإرهاب.
ويجدر بالذكر أن علي محمد غلام يمتلك مصرف الأنصاري الإسلامي وهو مشارك أيضاً في نافذة بيع العملة.
5- مصرف العالم الإسلامي
يمتلكه سيف الدين سعد هاشم الملقب بـ (سيف بدير) وهو مقرب من محافظ البنك المركزي السابق علي العلاق ومن نوري المالكي، وفق المصادر العراقية.
وهو شريك علي غلام في مصرف إيلاف الإسلامي، مع العلم أن إيلاف الإسلامي كان قد أدرج سابقا على اللائحة السوداء الأميركية لتعاونه مع بنك تنمية الصادرات الإيراني في 2012 ورفع في 2013 في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حيث عرفت تلك المرحلة بمرحلة المفاوضات "والليونة" من قبل أوباما التي سبقت توقيع الاتفاق النووي الإيراني.
وللعلم كانت اللجنة الاقتصادية النيابية متحفظة في علاقة المركزي العراقي مع مصرف العالم الاسلامي ودعت إلى عدم التمييز في تصنيف المصارف ومنحها امتيازات.
كما يمتلك سيف بدير أيضاً حصة في مصرف الجنوب الإسلامي الذي يشارك أيضاً في نافذة بيع العملة.
وتتوارد أنباء غير مؤكدة في الصحف العراقية بأن سيف بدير، هو من الأشخاص المشتبهين الذين تم اعتقالهم في حملة الاعتقالات الأخيرة في بغداد.
6- مصرف الاتحاد العراقي
أيضا هذا المصرف منع عن مزاد العملة في 2015، مالكه الأخوان عقيل وعلي مفتن المقربان لنوري المالكي، وقد تعرض مصرفهما في 2016 لحجز 200 مليون دولار، من قبل الفيدرالي الأميركي، كجزء من تحويلة بقيمة 6 مليارات دولار لصاحب بنك الهدى حمد الموسوي المقرب من نوري المالكي.
مع الإشارة، إلا أنهما يملكان علاقات وثيقة مع المالكي من خلال علي العلاق، محافظ المركزي العراقي السابق.
7- مصرف الاقتصاد للاستثمار
كان تحت وصاية البنك المركزي العراقي في 2014 لمدة 3 سنوات، إلى أن رفعت الوصاية عنه في 2/10/2017.
وتعود ملكيته إلى سعدي وهيب صيهود، عديله الرجل المقرب لنور المالكي حسن السنيد.
8- مصرف أربيل
يمتلكه فايد عبد الأمير حسون الوائلي الذي تثار حوله شبهات يهرب العملة الصعبة من بغداد إلى أربيل ثم إلى تركيا براً.
ووفق وثائق اللجنة المالية في مجلس النواب، قام المصرف سنة 2012، 2013، 2014، بعمليات تحويل مع شركات تركيا لصالح شركات تحويل مالي يمتلكها أصحاب المصرف ذاته. كما يمتلك فايد الوائلي مصرف القرطاس الإسلامي الذي يدخل أيضاً في نافذة بيع العملة.
9- مصرف المتحد للاستثمار
جزء من أسهمه يمتلكها حسن ناصر جعفر اللامي في حين أن 40% من الأسهم تعود لفاضل الدباس، حيث قام المدعي العام الأردني بإصدار مذكرة للإنتربول لملاحقة " الدباس"، في 28 أيار 2018، وقد هرب الأخير لجهة مجهولة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في نوفمبر 2018، قرر البنك المركزي العراقي وضع المصرف المتحد للاستثمار تحت الوصاية.
ووفق المصادر العراقية، لفاضل الدباس قريب اسمه هيثم الدباس هو رئيس مجلس إدارة مصرف نور العراق الإسلامي الذي يملكه حسن اللامي.
10- مصرف العطاء الإسلامي
هو مصرف البلاد الإسلامي سابقا، تم تغيير اسمه إلى مصرف العطاء وتم تعيين مجلس إدارة جديد بعدما فرض عليه عقوبات أميركية من الخزانة، بتهمة تمويل حزب الله لكن الغريب أن البنك ما زال ممارساً لمهامه ويشارك في نافذة بيع العملة.
تعود ملكيته إلى أراس حبيب الموالي لإيران، والمدرج على اللائحة السوداء، وكان تحت الوصاية من قبل المركزي و رفعت عنه في 12-11-2019. كما تم منعه من التعامل مع المؤسسات الأخرى بالدولار الأميركي على خلفية عقوبات دولية إلا أن البنك المركزي العراقي استثناه من التعامل بالعملات الاخرى وحتى إشعار آخر بموجب قرار رقم العدد:436/3/9 وتاريخ 2019/10/31.
العراق بقائمة مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب
منذ سبتمبر 2016، كان الاتحاد الأوروبي قد وضع العراق على قائمة الدول عالية المخاطر المتعلقة بغسيل الأموال و تمويل الإرهاب. و حتى عندما طلبت الخارجية العراقية أن يرفع اسم العراق من هذه القائمة رفض الاتحاد الأوروبي هذا الطلب، مبيناً أنه قد يفعل ذلك في شهر أكتوبر.. ولكن يجب أن يحقق العراق كل المعايير اللازمة لينضم إلى هذه الدول.
ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لم يتم وضع المركزي العراقي تحت مراقبة الإدارة الأميركية إلى الآن؟ خصوصا "وأن 80% من المصارف العراقية ليس لديها أي اتصال مصرفي مع البنوك المراسلة الأميركية وبالتالي لا نعرف شيئا عنها"، وفق ما كشف مسؤول أميركي سابق عمل بالسفارة الأميركية في بغداد في حديث سابق للعربية.نت.