بسم الله الرحمن الرحيم ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
النور من الآية 31 خِمار الرأس و خِمار القلب !
قل للمليحة في الخِمار الأسود .. ماذا فَعــلتِ بِزاهِـدٍ متعبِّــــدِ قد كان شمَّــر للصًــلاةِ ثِيابَه .. حتى خطَرْتِ له بِبابِ المَسجِدِ
رُدِّي عليه صَلاتَهُ و صِيامَهُ .. لا تقتليــهِ بِحَـقِّ ديــن مُحمَّـــدِ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الأبيات الآنفة نُسبت إلى الشاعر الأموي ربيعة بن عامر الدارمي التميمي , الذي غَلب عليه لقب مسكين الدارمي , و كان قد انقطع للنسك و العبادة و اعتكف في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم , و استجار به تاجر عراقي وفد للمدينة , كسدت بضاعته من الخُمر السوداء , فخرج من المسجد و رجع إلى لباسه الأول ثم قال هاتي الأبيات , فشاع بين الناس أن مسكينًا قد تعلق قلبه بصاحبة الخمار الأسود و ترك ما كان عليه من تنسّك و تعبّد , فلم تبق مليحة بالمدينة - و لا حتى قبيحة حسب ظني و بعض الظن إثم - إلا و اشترت خمارًا أسودًا , فنفدت بضاعة التاجر العراقي , و عاد الدارمي إلى سيرته الأولى. فيالهُ من أسلوب ظريف و شعر لطيف ! سبق به الدارمي أهل الدعاية و التسويق في عصرنا الحديث , و أغاث ملهوفًا بِقريحته و جبر مَصابًا بظرفه , و شَدَت الحداة رجزه , فسارت بنظمه الركبان و حفِظها له الزمان. و لكن ما لنا و للدارمي ؟ دعونا في المليحة و خِمارها , فالنفس جُبِلت على حب المديح و إظهار المليح و الغواني يغرهن الثناء , كما قال أحمد شوقي , و كَم من فتاةٍ خمّرت رأسها عادة و ليس عبادة , و تركت الحشمة لرأسها و غير ذلك لسائر بدنها , فتراها كاسية و هي عارية , هداها الله و نزع خِمار المعصية عن قلبها و أسبغ سِتار التُقى و العفاف على بدنها. كنت أزور بلدًا مسلمًا , و خرجت لحاجةٍ إلى السوق مع صديقٍ لي - نحسبه من أهل الخير و الله حسبه - و لفت نظري كثرة الحِجاب و تفشيه بين الفتيات , على ما بهذا البلد من محاربة للدين و أهله و التضييق عليهم , فحمدت الله على توقير دين الله بين الناس , و لكن هالني ما رأيت من التقصّع و التغنّج و الملاطفة , بل و ضرب للمواعيد , و نظرت لصاحبي , فقال لا تغرنّك المظاهر , هنّ تحجّبن عادة و ليس عبادة , و لا حول و لا قوة إلا بالله. فسألته : و أين المصلحون و أهل النصح و الإرشاد بل أين أهليهن و ذويهن ؟ فقال لي : هم في غفلة نسأل الله السلامة , و لكن طِب نفسًا فما تراه هنا لا ينطبق على الأغلبية و هناك خير كثير و لله الحمد , و كل مجتمع فيه الصالح و الطالح . قلت : نعم ! و لكني استشنعت فساد الفعل مع صلاح الظاهر , قطعًا لا تخلو البلدان من هذه الممارسات , حتى في أشدها تمسكًا بالدين و تطبيقًا للشرع , و لكن هناك سلطان يزع الله به ما لا يزع به حديث و قرآن , فلا يستقيم عندي من يعصي سلطانه و يطيع ربّه و قرآنه في الخِمار , و هو طائع مختار , ثم يسلك طريق الفجّار! حكى الشيخ أبو اسحاق الحويني , أطال الله في عمره على طاعة و حفظه للإسلام و المسلمين , أنه في خضم أزمة الرسوم المسيئة للمصطفى صلوات الله عليه , شلّ الله يمين المسيء و عامله بما يستحق , ظهرت فتاة في البطولة الإفريقية لكرة القدم , و هي تلبس قميصًا قصيرًا يسفر عن ظهرها و بطنها مكتوب عليه " كلنا فداء لك يا رسول الله " !
إنها قلة الوعي و الجهل بالحكمة من التعاليم الربانية و الوصايا النبوية و الإتباع عن تقليد و عادة لا عن اقتناع و عبادة. ما أحوجنا إلى نزع خِمار القلب مع فرض خِمار الرأس , فلا يستقيم الثاني بدون الأول ... و إلا فهي مليحة في خِمار تُخفي القبيح تحت الأطمار! أخوكم أبو شباب الحربي