أرغم نواب تونسيون الحكومة التونسية على تأجيل النظر في اتفاقيتين تتيحان لتركيا وقطر توسيع نفوذهما في تونس، كان البرلمان الذي يقوده رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ينوي مناقشتها يومي الأربعاء والخميس، واعتبروا أنهما ترسخان التبعية وتنتهكان السيادة التونسية.
وفي هذا السياق، قال النائب عن حزب "تحيا تونس" مبروك كورشيد، إن قرار تأجيل النظر في الاتفاقيتين من طرف الحكومة ومكتب البرلمان غير صائب، مضيفا أنه كان ينبغي إبطالها وإنهاؤها فورا، لأنها تهدد السيادة الوطنية وتضر بالمصالح العليا للبلاد، ووراءها نيّة مبيتة من تركيا للهيمنة على تونس ووضع يدها عليها.
ميزات التونسيين أنفسهم
وأضاف كورشيد أن الاتفاقية التي وقع عليها وزير في الحكومة السابقة تابع لحركة النهضة "خطيرة جدا"، لأنها تسمح للأتراك بحق التملك في تونس في العقارات السكنية وحتى في الأراضي الفلاحية مورد رزق وغذاء التونسيين، رغم أن القانون التونسي يمنع التفويت فيها للأجانب، كما تمنح المستثمر التركي التمتع بنفس امتيازات ابن البلد، من خلال الحصول على قروض من البنوك ومنح تشجيعية من الدولة التونسية، كما تتيح له تحويل كل المرابيح والفوائض إلى دولته دون قيود.
وأكد كورشيد أن مثل هذه "الاستثمارات الاستعمارية" التي تخفي راءها "مشروعا توطينيا" تقوده تركيا عبر التحالف مع قوى سياسية داخل تونس "غير مرغوب فيها"، مشددا على أن التونسيين سيتصدّون لأي مبادرة تركية تمس من السيادة الوطنية ولا تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التكافؤ بين البلدين ولا تعود بالنفع على تونس.
مثيرتان للريبة
من جانبه، اعتبر النائب عن حركة الشعب ورئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بدرالدين قمودي، أن رئاسة البرلمان استثمرت أزمة "كورونا" وانشغال البلاد بمحاربتها وعدم قدرة أغلب النواب على حضور الجلسات، لتمرير اتفاقيتين مع قطر وتركيا "مثيرتين للريبة" وفي غفلة من الجميع.
وأشار في تصريح لـ"العربية.نت" إلى أن تزامن طرح الاتفاقيتين يكشف سياسة التمكين التي تنتهجها حركة النهضة داخليا وخارجيا وسعيها لتطوير التواجد التركي القطري في تونس، في إطار مشروع كامل يقوده تنظيم الإخوان للتوسع في البلدان العربية.
وأوضح قمودي أن الاتفاقيتين تمنحان الدولتين سلطات واسعة وامتيازات كبرى في صلة بقطاعات حيوية واستراتيجية ونفوذا واسعا يضعهما خارج المجال القانوني للدولة التونسية، وهو أمر يحد من السيادة الوطنية ويضر باستقلالية القرار الوطني، خاصة اتفاقية مع تركيا التي "تتنزل في خانة الاستعمار وليس الاستثمار".
انتهاك للسيادة
وأشار إلى أن "حركة الشعب" ترى في مضمون الاتفاقية "إهانة لتونس وللتونسيين وانتهاكا لسيادة البلاد"، لأنها تمنح للأتراك امتيازات اقتصادية وأفضلية على التونسيين في سابقة خطيرة وغير معهودة عند إمضاء الاتفاقيات التجارية الدولية، تخدم أجندة حزب حركة النهضة في إسناد المشروع الإخواني في المنطقة على حساب مصلحة البلاد ودعم الدول الراعية لها كقطر وتركيا، كما تعتبر شكلا من أشكال الهيمنة والاستعمار الجديد الذي تقوده تركيا في المنطقة.
وتابع المتحدث نفسه، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يقود منذ فترة مشروعا توسعيا استعماريا في الدول العربية، ولديه رغبة في استعادة الدولة العثمانية التي تفككت عقب هزيمتها وانهيارها في الحرب العالمية الأولى، مشيرا إلى أنّه يعمل الآن على التمدد الجغرافي ولعب دور رئيسي في العالم الإسلامي، عبر التدخل في المنطقة سواء عسكريا في ليبيا أو اقتصاديا في تونس أو إنسانيا في دول أخرى.
وتوقع القمودي أن تسقط الاتفاقيتان بالتصويت عند عقد الجلسات المؤجلة، مشيرا إلى أن أغلب الكتل البرلمانية عبرت عن رفضها لتمرير مثل هكذا اتفاقيات.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروعي اتفاقيتين مع قطر وتركيا أثارا سجالا واسعا في تونس، ما دفع البرلمان إلى تأجيل التصويت عليهما، وسط اتهامات لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي باستغلال سلطته ورئاسته للبرلمان، لتمكين هذين الدولتين من مزيد التغلغل وإحكام القبضة على الاقتصاد التونسي، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس.
ويتمثل المشروعان في اتفاقية أولى بين الحكومة التونسية وصندوق قطر للتنمية تسمح بفتح مكتب للصندوق في تونس، واتفاقية أخرى مع تركيا تتمثل في التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين الجمهورية التونسية وجمهورية تركيا.