"لن أحرجك ولن أكون عبئا عليك ..."، بهذه الكلمات توجه ابن خال رئيس النظام السوري إلى الأخير، مؤكداً ما كان حتى الأمس القريب مجرد تقارير اعلامية عن "خلافات" بين الرجلين، أو أقله بين حاشية الإثنين.
فقد عاد اسم "رجل الأعمال السوري، رامي مخلوف، إلى الواجهة مجددا بعد نشره مقطع فيديو عبر حسابه في فيسبوك، مساء الخميس يوجه كلمة لابن عمته رئيس بشار الأسد يشكو إليه "الظلم"!
فـ"حوت المال" كما يطلق عليه السوريون متذمّر من الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها ضده حكومة النظام من إجبار على الدفع وضغوطات بدأت منذ مدة وامتدت حتى اليوم دون أن تكشف رسميا أسبابها.
القصة بدأت قبل أشهر وتحديدا نهاية العام الماضي، عندما أطلقت سلطات النظام أحكاما تقيّد فيها عمل مخلوف، وآخرها حين أصدرت المديرية العامة للجمارك التابعة للنظام في سوريا قرارا بإلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله مع آخرين من رجال الأعمال، ويضمن قرار الجمارك الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمخلوف وزوجته أيضا.
هذا القرار جاء ليؤكد الشكوك بشأن خلاف كبير قد وقع بين الأسد وقريبه، خصوصا بعد أنباء عن وضع مخلوف قيد الاعتقال والإقامة الجبرية ومنعه من الخروج.
كما طالت الإجراءات "جمعية البستان"، وهي "الذراع الخيرية" المشبوهة لأعمال مخلوف كما يسميها السوريون، وشركة السوق الحرة.
المتهم يتمسك بـ"عمل الخير"
إلا أن كلام مخلوف جاء ردّا على قرار اتخذته الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد الحكومي التابعة للنظام أنذرت فيه شركتي "سيريتل" التابعة لمخلوف، و"إم تي إن" للهاتف النقال بسداد نحو 234 مليار ليرة سورية لخزينة الدولة تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما، وذلك لإعادة التوازن إلى الترخيص الممنوح لكلتا الشركتين، بحسب القرار. فرد "المتهم" مشيرا إلى تمسكه بـ"العمل الخيري".
وحددت الهيئة موعدا نهائيا ينتهي بتاريخ 5 مايو/أيار المقبل، للامتثال لقرار مجلس المفوضين المتضمن اعتماد نتائج عمل اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم - 1700 - بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول من عام 2019، أي خلال الفترة التي بدأت فيها دمشق إجراءات ضد مخلوف وشركاته.
وفي حال عدم التزام بالسداد ضمن المهلة المحددة، ههدت الهيئة أنها ستقوم باتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لضمان حقوق الخزينة العامة، بحسب تعبيرها.
أما "العمل الخيري"، فقصد فيه مخلوف ما أعلنه عبر مقطع فيديو ظهر فيه مع بداية شهر رمضان المبارك حول عن "تبرعات" بمناسبة الشهر الكريم، حيث اعتبر مخلوف أن "فيديو التبرع" قد قلب الدنيا عليه وهو يجهل السبب، مدعيا أنه وبسبب الفيديو تلقى تهديدات بإيقاف جميع أعماله كونه تجرّأ على إظهار تقديم "المساعدة" للمحتاجين بشكل علني، بحسب تعبيره.
مخلوف يعترف: نتقاسم الأرباح!
اللافت في الموضوع أن مخلوف اعترف بعد تضييق الخناق عليه أنه شريك للنظام، حيث قال إن شركته تقاسم عائداتها والأرباح مع الدولة بالمناصفة هذا بخلاف دفع الضرائب، مضيفا: "نحن نخدم الدولة وكل من يخدم الدولة".
إضافة إلى ظهورنا بتمويل جمعية البستان. ويبقى السؤال: لماذا كلما زاد العطاء، زادت النقمة؟. وتابع: "كنّا منذ عدة سنوات وما زلنا ندفع وبشكل شهري مليار ونصف مليار ليرة سورية وكلها يذهب للعمل الخيري لدعم أهلنا وخدمة الجرحى ورعاية ذوي القتلى".
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن باحثة اقتصادية سورية قولها إن تعديل صيغة العقود المبرمة مع شركتي الجوال في البلاد فوتت على الخزينة أكثر من 338 مليار ليرة (نحو 482 مليون دولار).
أما وزارة المالية التي قررت حجز أموال شركة تابعة لمخلوف، هي "آبار بتروليوم سيرفيس" المسجلة في بيروت، وتعمل في مجال صفقات نقل الوقود والمواد النفطية، وقد ورد اسمها في وقت سابق ضمن قائمة العقوبات الأميركية، فقد كشفت وسائل إعلا م سورية أن الحجز الاحتياطي جاء ضماناً لحقوق خزينة الدولة من الرسوم والغرامات المتوجبة في قضية تعود لعام 2019، وتتعلق بمخالفة في حكم الاستيراد تهريباً لبضاعة ناجية من الحجز، قدرت قيمتها بنحو ملياري ليرة سورية، ورسوم تتجاوز 200 مليون، وغرامات تصل إلى أكثر من 8 مليارات ليرة سورية.
مخلوف للأسد: سندفع ووزع ما شئت
بالمقابل، نفى مخلوف ارتباطه بالشركة، وقال إنه دفع 7 مليارات ليرة نيابة عنها في قضية الاستيراد تهريباً، إلا أن قرار الحجز الجديد يظهر أنه لا تزال هناك رسوم وغرامات لم يتم تسديدها، ما استدعى الحجز على أموال الشركات والأشخاص الواردة أسماؤهم في القضية ذاتها، بسب مراقبون.
وفي الفيديو الجديد، أكد مخلوف استعداده لفتح أوراقه ودفع كافة المستلزمات وقال إنه سيأتي وقت يشرح فيه قصة أملاكه.
كما أضاف مخاطبا الأسد :"لن أحرجك ولن أكون عبئا عليك ولكني أريد أن أشرح لك الموقف" وأضاف: "أنت تعرف كم قدمت منذ بداية 2011 وكيف تنازلت عن الأملاك علنا، أرسل من شئت لتدقيق الأوراق وهذه هي الحقيقة ولكني تعبت من هذا الطاقم".
وهاجم مخلوف السلطات قائلا إنها غير محقة بمطالبها، ويحق له أن يقاضيها، مهددا بأنه سيضع كل الوثائق في الوقت المناسب.
وختم مخلوف: "هناك مبلغ سيدفع وأرجو يا سيادة الرئيس أن تقوم بنفسك بتوزيعه على الفقراء الذين أنت مؤتمن عليهم"، بحسب تعبيره.
يشار إلى أن اسم رامي مخلوف كان تردد بشكل كبير في الآونة الأخيرة بشأن خلافات عميقة بينه وبين ابن عمته بشار الأسد، ما أنذر بإمكانية أن تكون هذه الإجراءات بداية النهاية لعائلة مخلوف التي أضحت تسيطر على اقتصاد سوريا منذ سنوات طويلة.