أجرى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية حواراً مع وانغ جيسيه، بروفيسور في كلية الدراسات الدولية، ورئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في جامعة بكين، الذي شرح في حديثه منشأ وطبيعة الخلافات بين بكين وواشنطن على هامش أزمة فيروس كورونا المستجد.
- كيف ستؤثر الجائحة على علاقة الصين بالولايات المتحدة؟ هل ترى أنها سوف تفاقم التوترات أم ستعمل على تلطيفها؟
أتفق مع تقييم الأمير تركي الفيصل لتصاعد وتيرة "المناورات بين أميركا والصين لضغط بعضهما على البعض". لقد تدهورت العلاقات الصينية الأميركية منذ تفشي فيروس كورونا، برغم استمرار بعض التعاون الفني بين الجانبين. وقد انتشرت شائعة في الصين بأن بضعة جنود أميركيين نشروا الفيروس عمداً في أكتوبر الماضي، عندما حضروا حدثاً رياضياً في ووهان. ومنذ ذلك الحين بدأت الجائحة تنتشر في جميع أنحاء المدينة. ثم إن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قد أذكى هذه الشكوك حين طالب الحكومة الأميركية أن تبين مدى صحة الشائعات. وبعد ذلك، خرج الرئيس دونالد ترمب إلى الإعلام، وأشار إلى الفيروس باسم "الفيروس الصيني". ومع أن ترمب لم يكرر تلك التسمية بعد ذلك، لكن "حرب اللوم" استمرت، حتى إن بعض الأفراد والمؤسسات الأميركية سعوا إلى رفع دعاوى قضائية لإجبار الصين على تعويض الخسائر من جراء الجائحة. وهي محاولات يحتمل أن لا تنجح، لكنها بلا ريب ستثير غضب الصينيين.
وخلاصة الأمر، وبسبب الظروف الحالية، تتزايد الصعوبات يوماً تلو الآخر أمام الصين والولايات المتحدة لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية الثنائية الموقعة في يناير الماضي، والتي كانت تسعى إلى اتخاذ تدابير مسبقة للحيلولة دون الاحتكاكات والصدامات التجارية. فالأمل في حل المشكلات الدائمة بين هاتين القوتين العُظميَيْن ضئيل. ومن تلك المشكلات: القضايا المتعلقة بتايوان، وهونغ كونغ، والتبت، وشينجيانغ، وحقوق الإنسان، وبحر الصين الجنوبي. ومن القضايا الحديثة التي أثارت الكثير من القلق: جهود أميركا لفصل ارتباطها الاقتصادي والتكنولوجي عن الصين. فالحق أن بعض المسؤولين والسياسيين الأميركيين يطلبون من الشركات الأميركية أن تخرج من الصين. أضف إلى ذلك أن واشنطن ما زالت تواصل عقوباتها على شركة هواوي. وأخيراً، باتت التبادلات التعليمية والثقافية التي كانت واعدة في السابق تتعرض كذلك لضغوط متزايدة. وجائحة كوفيد-19 طرف في هذه الأسباب، والطرف الآخر يكمن في دوامة العلاقات الثنائية الآخذة في الانحدار.
- يرى البعض أن الجائحة تحمل فرصاً استراتيجية للصين، وتُسَرِّعُ صعودها، وتظهر نجاح ومرونة نظام حكمها في التعامل مع الأزمة، مقارنة بالدول الغربية. ما تقييمك لوجهة النظر هذه؟
هذه وجهة نظر اجتمع عليها قطاع عريض من أهل الصين، وخاصة بين "مستخدمي الإنترنت" الذين ليست أمامهم مصادر بديلة للمعلومات سوى وسائل الإعلام الصينية الرسمية. لا شك في أن الصين تعافت من الجائحة أسرع من معظم البلدان الأخرى في العالم، ليس فقط بسبب ما اتُّخِذَ من تدابير حازمة شهدناها في الصين، ولكن أيضاً لاندلاع جائحة كوفيد-19 في وقت أبكر من البلدان الأخرى. ولاشك في أن الضوابط الاجتماعية الصارمة التي تفرضها الصين على سكانها، فضلاً عن احتكار حكومتها للموارد الاقتصادية، وقدرتها على تعبئة السكان، كانت جميعها مفيدة في مكافحة الفيروس، خاصة بالمقارنة مع العديد من الدول الغربية. ولكن، إلى أي مدى ترتبط هذه المقارنة بالقيم السياسية والديمقراطية؟ لقد تعاملت اليابان وكوريا الجنوبية وبعض المجتمعات الأخرى - مثلاً - مع الجائحة تعاملاً أفضل من العديد من الدول الغربية، برغم اختلاف أنظمتها السياسية عن النظام الصيني.
نحن - الصينيين - لدينا أسباب تدعونا إلى الفخر بما حققناه، ولكن لا ينبغي لنا أن نحتقر البلدان الأخرى، لاسيما أن أزمة فيروس كورونا ما زال أمامها وقت طويل حتى تنتهي. أمامنا تحديات كثيرة. وثمة سبب واحد لهذه التحديات، هو تعرض اقتصاديات الشركاء التجاريين للصين لضغوط متزايدة، حتى بات المصنعون الصينيون يتلقون عدداً أقل من الطلبات من الخارج، ومن ثم، لم يعد هؤلاء المصنعون قادرين على إعادة الإنتاج إلى طاقته الكاملة.
أخيراً، تتباين التوقعات حول النمو الاقتصادي للصين هذا العام وما بعده. فالحكومة الصينية لم تعدّل رسمياً ما تستهدفه من نمو في الناتج المحلي الإجمالي، والبالغ 6% تقريباً لعام 2020. وهذا الرقم تراه فئة قليلة من الاقتصاديين المستقلين رقماً واقعياً. ومع ذلك، فمن السابق لأوانه جداً أن نقرر ما إذا كانت الصين ستقدر على تضييق الفجوة مع الولايات المتحدة من الناحية المادية: الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، في أعقاب أزمة كوفيد-19. إن قدرة الصين على اغتنام الفرصة الاستراتيجية لقيادة النظام العالمي تعتمد اعتماداً كبيراً على نجاحها في أجندة الإصلاح الداخلي.
- كيف ترى أثر الجائحة على مبادرة الحزام والطريق؟ وهل سيكون هذا الأثر على المدى القصير أم الطويل؟
تهدد جائحة كوفيد-19 بإحداث أزمات اقتصادية على امتداد أقاليم مبادرة الحزام والطريق الصينية. وقد تأثر العديد من دول مبادرة الحزام والطريق من الجائحة، ويحتمل أن ترتفع ديونها الخارجية ارتفاعاً كبيراً. لكن، حتى إن لم تحُلَّ هذه الجائحة، فإن الصين كانت ستواجه قيوداً على إقراضها المستقبلي وإعادة التفاوض بشأن الديون. وبعدما خلفته الجائحة من اضطراب، ربما يؤدي الانكماش الحاد في قطاعَي السفر والنقل إلى تعجيل أزمات العملة في بعض دول مبادرة الحزام والطريق، لاسيما الدول الإفريقية، مثل أنغولا وزامبيا وموزمبيق.
وتتوقع دول عدة مشاركة في مبادرة الحزام والطريق أن تهُبَّ الصين لمساعدتها، سواء في مكافحة أثر الجائحة على الصحة العامة، أو في تخفيف حدة التباطؤ الاقتصادي المحتوم. لكن قدرة الصين الاقتصادية محدودة، بل إنها تعاني من عجز في أدواتها النقدية.
أضفْ إلى ذلك أن الصين ليست الدائن الوحيد لدول مبادرة الحزام والطريق، وسوف يرغب المقرضون الآخرون في أن يكون عبء تخفيف الديون بالقسمة العادلة بينهم. وفي هذه الحالة، يرجح أن تتخلف دول مبادرة الحزام والطريق عن سداد قروضها الصينية. والحقُ أن ضائقة الديون التي ستعانيها دول مبادرة الحزام والطريق ستحمل تهديداً خطيراً طويل المدى لاستدامة الصين المالية وكذلك لعمليات الشركات الصينية في الخارج.
- ما هي بعض المخاطر أو الفرص الجيوسياسية التي قد تحملها هذه الجائحة؟
إن أكبر خطر جيوسياسي تواجهه الصين الآن هو التوتر حول مضيق تايوان. فتايوان تفصل نفسها بشكل أسرع عن الصين، وتطالب القوى الموالية للانفصال بمزيد من الاعتراف الدولي، وخاصة من منظمة الصحة العالمية. ومع تزايد عداء واشنطن لبكين، باتت العلاقات الأميركية مع تايوان في أقوى حالاتها منذ أن بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين في عام 1979، ولذلك أصبحت الصين تتعرض لضغوط متزايدة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لاحتواء الميول الانفصالية لمدينة تايبيه.
ومن الفرص التي يمكن للصين أن تستفيد منها: توثيق التعاون الاقتصادي الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية في الوقت الذي تتعافى فيه الدول الثلاث من أزمة كوفيد-19. وأخيراً، يتعيَّن على الصين أن تراقب غرب آسيا والشرق الأوسط عن كثب لتعرف الدور الذي يمكن أن تمارسه في هذه المناطق، لتتعامل مع الجائحة وتحفظ السلام والاستقرار.