لقد مر أكثر من 20 شهرا على إعلان خادم الحرمين، حفظه الله ورعاه، بناء 500 الف وحدة سكنية ورصد لها مبلغ 250 مليار ريال على مدى خمس سنوات وتم حل مشكلة توفير الاراضي بنسبة 80% منذ ذلك الحين على أن يتم حل المشكلة بالكامل خلال تطور المشروع في الخمس سنوات التالية، ولكن ماذا حدث خلال العشرين شهرا الماضية وماذا أنجزت وزارة الإسكان التي تحولت من هيئة إلى وزارة منذ ذلك الحين لتعزيز دورها وإعطائها القوة الكافية من أجل إنجاز هذا المشروع الوطني الضخم. الحقيقة أن الاحصاءات مخيبة للآمال ولا تبشر بالخير فمع كل هذا الدعم الذي قدمته الدولة لهذه الوزارة لم تستطع إنجاز أي شيء على أرض الواقع، اي أنه حتى الآن لم يسكن أحد في مساكن وزارة الإسكان، مع أن المفروض أن يكون هناك 200 الف وحدة سكنية جاهزة للسكن هذا إذا ما أرادت الوزارة تحقيق حلم قائد هذه البلاد وتوفير النصف مليون وحدة سكنية خلال المدة التي حددها.
لا أعلم لماذا نحتاج إلى شركة أمريكية كي تخطط لنا مساكننا، إلا إذا كان المسكن بمستوى تعقيد المحطات النووية. إنه عمل غير مسبوق لوزارة لم تعِ بعد أن المسكن يمثل حالة ثقافية ويتطلب حلولا محلية ومن قبل معماريين ومخططين ومهندسين محليين
دعونا نحلل تقرير الوزارة الذي صدر قبل خمسة شهور تقريبا (شوال 1434ه) فهذا التقرير يقول ان الوزارة وقعت عقودا ل 14 ألف وحدة سكنية فقط في أغلب مناطق المملكة، ولكن نسب الإنجاز حتى صدور التقرير لا تصل إلى 10% فقط (مع أن هناك مشروعا تم انجازه بالكامل منذ أكثر من عام في جيزان لم يسلم للساكنين حتى الآن لوجود عيوب في البنية التحتية)، أي أن ما تم انجازه فقط هو 1400 وحدة سكنية ولعلي هنا أضيف 700 وحدة سكنية تم تنفيذها منذ صدور التقرير وحتى كتابة هذا المقال (رغم أنه لم تسلم أي وحدة سكنة حتى اليوم)، اي أن مجموع ما تم تنفيذه هو 2100 وحدة من 200 الف يفترض أنه تم إنجازها وهذا يعني أن إنجاز الوزارة هو 1% فقط. تصوروا هذه النسبة المخيفة، فإذا ما استمرت الوزارة في اسلوبها في العمل (وهو الواضح) فإنها سوف تقوم ببناء ال 500 الف وحدة سكنية في ال 500 سنة القادمة، لذلك فأنا أدعو المواطنين من الآن أن يكتبوا وصاياهم لاحفادهم بعد خمسة عشر جيلا من الآن كي يستلموا عنهم المسكن الذي خصصته الدولة لهم.
لا يوجد أي مبالغات في الأرقام المذكورة لأنها واقع نعيشه فحتى اليوم لم توقع الوزارة أي مشاريع جديدة ملفتة للنظر إلا عقد القرن (وهذا ما يسميه المهندسون السعوديون هذه الأيام) الذي وقعته وزارة الاسكان مع شركة أمريكية (غير مرخصة من هيئة المهندسين السعوديين) بمليار واربعمائة مليون ريال لعمل مخططات لمواقع سكنية سوف تشمل 83 الف وحدة سكنية فقط. ولا أعلم لماذا نحتاج إلى شركة أمريكية كي تخطط لنا مساكننا، إلا إذا كان المسكن بمستوى تعقيد المحطات النووية. انه عمل غير مسبوق لوزارة لم تع بعد أن المسكن يمثل حالة ثقافية ويتطلب حلولا محلية ومن قبل معماريين ومخططين ومهندسين محليين يعرفون كيف يتعاملون مع الاحتياجات الاجتماعية والثقافية للأسرة السعودية، ولكن يبدو أن وزارة الاسكان تنفذ القول المعروف "زامر الحي لا يطرب". قيمة هذا العقد تبني 2800 وحدة سكنية وهذا أكثر من إنجازات الوزارة خلال العشرين شهرا الفائتة. بالنسبة لي أرى أن الوزارة في ورطة شديدة وأنها تشعر بأنها تغرق وتريد أن تتعلق بقشة، وتبعد الأنظار عن فشلها في أداء مهامها الأصيلة من خلال هذا "العقد الإعلامي" رغم أنني اعتقد أن ما ستقدمه هذه الشركة سيورط الوزارة أكثر وسيعطل عملها وسيهدر مواردها فيما لا طائل منه.
تصرف وزارة الاسكان غير مسبوق فقد بدأت مشاريعها دون بنية تحتية، وهذا ما حدث في جيزان انتهت الوحدات السكنية ولم يكن هناك بنية تحتية فلم تسلم الوحدات لمستحقيها، كما أن الوزارة ليست لها سياسة واضحة لتوزيع الوحدات السكينة، فهي لم تتبع أسلوب الدول التي لديها خبرة في الاسكان الحكومي حيث يتقدم المواطنون لطلب السكن وتدرس حالتهم وتوزع عليهم مساكن حسب حجم الأسرة والحالة الاجتماعية، لأن الوزارة عندنا ببساطة صممت وحدة سكنية واحدة لكل احجام الأسر ولكل الظروف المعيشية ولكل المناطق والمدن والقرى، فلا يوجد هناك أي تفاوت انساني لدى الوزارة، وهذا في حد ذاته يبين عدم معرفة ب "ثقافة الاسكان" التي تعد من أكثر الثقافات تنوعا وتتطلب وضع سياسات ومراكز بحوث ودراسات. بالله عليكم هل سمعتهم بدراسة قامت بها الوزارة عن الأسرة السعودية (وهذا لا ينفي أن تكون الوزارة قامت بدراسات لكننا لا نعلم عنها شيئا فهي أحد أسرار الوزارة). ولو بحثنا عن المشاكل التقنية وسوء متابعة التنفيذ سوف تجدون مشروعا كاملا في القريات مهددا بالازالة قبل أن ينتهي تنفيذه.
في الحقيقة كنت أتوقع أن يحدث هذا، لأن الوزارة غير مهيأة لمثل هذه المشاريع الضخمة ولم تبن من أجل أن تكون "مقاولا" وقد ذكرت هذا الأمر منذ أن كانت هيئة وكتبت حول دورها في مقال نشر بهذه الصحيفة بعنوان "أين هيئة الإسكان.. هيئة الإسكان إلى أين؟" (السبت 22 ذي القعدة 1431 ه - 30 اكتوبر 2010م - العدد 15468)، وقد أكدت في المقال أن دور الهيئة كان يجب أن يقف عند حد "المستشار" والمنسق. وأذكر في ذلك الوقت أن المحافظ (الوزير حاليا) اتصل بي وقال لي ان المعلومات التي لدي ناقصة وأنه كان يفترض بي قبل الكتابة عن الهيئة أن اسأل أو أزور الهيئة فقلت له يفترض أن تكون المعلومات متوفرة لجميع المواطنين ولا يفترض بأحد أن يزور هيئتكم حتى يحصل على المعلومات. المشكلة هي أن وزارة الاسكان حتى يومنا هذا تعتبر لغزا يصعب فهمه أو حله، فالمعلومات شحيحة، وغير مصرح بنشرها، وهذا يدل على وجود مشكلة حقيقة في الانجاز فلو أن وزارة الاسكان لديها ما تقوله للناس لكانت نشرته على رؤوس الأشهاد. وبكل تأكيد لم يتغير الوضع في وزارة الاسكان عما ذكرته في المقال عندما كانت مجرد هيئة للإسكان، سوى أن الدولة اعطت هذه المؤسسة كل الممكنات للنجاح لكنها لم تفعل شيئا.
مشكلة الإسكان التي تتفاقم كل يوم، لن يحلها نقد أداء وزارة الإسكان، فهذا النقد لمجرد تبيين الواقع وتوضيح حدود المشكلة، لكن الحل يكمن في التحرك اليوم قبل الغد، فقد أثبتت هذه الوزارة عدم قدرتها على القيام بهذه المهمة الكبيرة التي ترتبط بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لبلادنا، وإعطاء الوزارة فرصة ثالثة أعتقد أنه مضيعة للوقت لا طائل منه ولن يجدي نفعا.