وللرفع من نسبة مساهمة المرأة في التنمية، صدرت قرارات عديدة لزيادة فرص ومجالات عمل المرأة في شتى المجالات في القطاعين الحكومي والخاص واكبت هذه القرارات قرارات أخرى تنظم عملية توظيفها في القطاع الخاص ومتابعتها في مواقع عملها, وضمان جميع حقوقها وتوفير البيئة المناسبة لها لتعمل وتنتج وتشارك الرجل في مسيرة التنمية بما يوفر لها العيش الكريم من خلال فتح مجالات أوسع للعمل بما يناسب متطلباتها واحتياجاتها.
من هذه القرارات:
· قرار مجلس الوزراء رقم (120) وتاريخ 12/4/1425هـ، بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية.
· قرار مجلس الوزراء رقم (187) بشأن تراخيص تشغيل النساء.
· قرار مجلس الوزراء رقم (63) وتاريخ 11/3/1424هـ، بشأن التعليم العالي وبعض الاجراءات النظامية الخاصة بعمل المرأة في القطاعين العام والخاص.
· قرار مجلس الوزراء رقم (260) بشأن استراتيجية التوظيف السعودية.
· كما خص الباب التاسع من نظام العمل المرأة بقواعد إضافية تتعلق بتشغيلها في القطاع الخاص مراعاة لظروفها وخصوصيتها. مثل: إجازة الوضع للأم العاملة. الرعاية الطبية أثناء الحمل و رعاية أطفال العاملات في أماكن العمل.
مجلة "التنمية الإدارية" بحثت واقع المرأة العاملة في القطاع الخاص وأثر هذه القرارات على أرض الواقع في زيادة نسبة مساهمتها في القوى العاملة وتوفير بيئة عمل مناسبة مشجعة، والتحديات التي تقف في طريق مشاركتها الفعالة في القطاع الخاص؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
أرقام وحقائق
أشار وزير العمل في منتدى واقع مشاركة المرأة في التنمية الوطنية عام 2010 بحسب ما ذكرته صحيفة الوطن إلى أن إجمالي العاملات في المنشآت الخاصة يبلغ 137.4 ألف عاملة يشكلن نـحو 2% من إجمالي العاملين بالمنشآت الخاصة، بلغ عدد العاملات السعوديات منهن 48،8 ألف عاملة يشكلن نحو 35% من إجمالي النساء العاملات بالمنشآت الخاصة بينما عدد العاملات غير السعوديات 89 ألف عاملة يشكلن نـحو 65% من إجمالي العاملات.
زيادة ملحوظة في الاهتمام بعمل المرأة
والمتابع للحراك القائم من قبل المسؤولين عن تفعيل دور المرأة في التنمية يرى أن المستقبل أفضل، فقد أكدت مديرة قسم التوظيف بمكتب عمل الرياض القسم النسائي, الأستاذة رقية بنت عبد الله آل عبد الله, أن هناك زيادة في الاهتمام برفع نسبة مساهمة المرأة في القطاع الخاص استناداً إلى قرارات مجلس الوزراء وبرامج وزارة العمل الأخيرة ومنها البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن العمل "حافز" وبرنامج تحفيز المنشآت لتوطين الوظائف "نطاقات". والعمل على مواجهة محدودية فرص ومجالات العمل المتاحة للمرأة السعودية بالإضافة إلى برامج وآليات أخرى عديدة.
بينما ترى الدكتورة ماجدة بنت ابراهيم الجارودي, الأستاذ المساعد في الادارة التربوية بجامعة الملك سعود, أن جميع الأعمال مناسبة لعمل المرأة عدا الأعمال التي تتنافى وطبيعتها الأنثوية والتي تتطلب العمل الجسدي المرهق كأعمال البناء والكهرباء والهندسة المدنية ,الخ . ولكن إذا ما قسمنا القطاع الخاص في السعودية إلى قسمين فسيكون أولهما هو المدارس الخاصة وهي تعليمية إدارية، وثانيهما المؤسسات الخاصة المتمثلة في الشركات والمستشفيات وقطاعات التدريب الخاصة والمشاغل والبنوك وغيرها التي تدير أعمالاً تجارية في السوق.
وترى الأستاذة رقية آل عبد الله أن هناك بيئة مناسبة لعمل المرأة وفقاً لضوابط الشريعة ومتوافقة مع طبيعتها وأدوارها المختلفة الأسرية والعملية وذلك بوجود عدد من القرارات المنظمة لعمل المرأة في القطاع الخاص وبخاصة الباب التاسع من نظام عمل المرأة الذي حدد البيئة المناسبة لها في قواعد منظمة مثل: إجازة الوضع للأم العاملة. الرعاية الطبية أثناء الحمل و رعاية أطفال العاملات في أماكن العمل.
الواقع المؤلم
ولكن بنظرة متأنية إلى واقع المرأة العاملة في القطاع الخاص نجد أن هناك الكثير من المشاكل والمعوقات تبدأ من التوظيف مروراً بعقد العمل وانتهاءً بالإجراءات المتبعة لحل المشاكل بين الطرفين والطرد التعسفي .
معوقات التوظيف
تشير الأستاذة رقية إلى أن هناك معوقات تقف في طريق مشاركة فاعلة للمرأة السعودية في القطاع الخاص فبالإضافة إلى محدودية الفرص المتاحة أمامها تجد نسبة كبيرة منهن صعوبة في العمل المسائي وساعات العمل الطويلة إلى جانب انخفاض معدلات الأجور بشكل عام وهناك أيضاً مشكلة المواصلات بالإضافة إلى نقص الخبرة والتدريب لدى طالبات العمل.
بينما تلخص الأستاذة عبير محمد الدريبي, مسؤولة القسم النسائي في مؤسسة وفاء لحقوق المرأة, المشاكل بتدني الأجور وتقول: للأسف لا يوجد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص حتى أننا نسمع أحياناً عن أجور تقل عن ألف ريال, مع العلم أن صندوق الموارد البشرية يدعم رواتب السعوديين في السنوات الاولى. بالإضافة إلى مشاكل أخرى مثل صعوبة توفير المواصلات ، وعدم وجود إجازات كافية، كما أن بعض المنشآت قد لا تراعي طبيعة المرأة وخصوصية عملها.
العمل دون عقد
وتؤكد الأستاذة عبير الدريبي أن أبرز مشاكل المرأة العاملة في العمل من دون عقد بل قد يكون هذا هو أساس المشاكل بالنسبة لهن, فإذا كانت تعمل دون عقد تعرضت أكثر للضرر لضعف دعواها في حال التظلم إلى جانب الفصل التعسفي.
دراسة عقد العمل
وترى د. ماجدة الجارودي أنه حتى مع وجود عقد، فإن عدم دراسته جيداً من أبرز المشاكل التي تواجه الموظفة، حيث يغلب على معظم مؤسسات القطاع الخاص عند توظيف المرأة أن تكون الوظيفة المسندة لها مستندة على وصف وظيفي محدد للمهام المرغوب منها القيام بها . إضافة إلى أمر مهم بأن العقد الذي يتم توقيعه معها يكون وافياً في شرح مسؤولياتها وواجباتها ومسؤوليات وواجبات المؤسسة تجاهها . فالعقد شريعة المتعاقدين كما يقال.
وتنصح الجارودي المتعاقدة بأن تقرأ العقد المقدم لها بدقة لتعرف حقوقها وواجباتها ومن ثم يجب عليها أن تناقش ما لا تفهمه من العقد وتتوقف عند البنود التي لم تتضح وضوحاً كاملاً لما يتوجب عليها عمله ويمكنها أن تلجأ لمن يساعدها على القراءة الواضحة للبنود. ومن مسؤولية المؤسسة تقديم العقد بالشكل الواضح بفقرات لا يمكن أن تحتمل معنيين يمكن من خلالها أن يتم شكر أو عقاب المتعاقد معها.
العمل في المدارس الأهلية
وترى الدكتورة ماجدة أن أنظمة العمل في المدارس الأهلية –كمثال- تحتاج في غالبها لإعادة تقييم وذلك لسن قوانين وشروط واضحة للتعاقد مع المدرسات, وأولها الناحية المادية. كذلك تحديد إجراءات العمل التي يتم التعاقد بناء عليها، فعلى الرغم من أنه يتم توقيع عقد للعمل إلا أن هذه العقود تكون بشكل روتيني ربما لا يعكس ما يتم الالتزام به من قبل المدرسة مع المتعاقد معها . فأحياناً يتم توقيع عقد مع موظفة على أنها كاتبة ومن ثم تكتشف أنه يتوجب عليها القيام بكل ما يسند إليها من أعمال حتى ولو كان العمل كمراقبة. وبالنسبة للمعلمات يتم التعاقد معهن لتدريس مقررات محددة بناء على التخصص ثم تفاجأ المعلمة بتكليفها تدريس مناهج مختلفة بسبب وجود نقص في عدد المعلمات.
العمل في المؤسسات والشركات الخاصة
وتبرز المشكلة الأساسية من وجهة نظر الدكتورة الجارودي في الناحية المادية. حيث لا تمنح بعض المؤسسات والشركات الخاصة مرتبات مجزية للمرأة ،ولاتمنح لها بدل سكن أسوة بالرجال العاملين لديها. وتضيف: حتى لا نعمم فإن بعض هذه الشركات خاصة الأجنبية منها تمنح مرتبات مجزية ولها بدلات عمل أيضاً مدروسة من قبل محامي الشركة بسبب أخذهم في الاعتبار النواحي القانونية الملزمة لهم في بلد الشركة الأم. وفي بعض الأحيان قد تكون مشكلة عمل المرأة في مكان العمل الخاص بالشركة؛ مثل عدم وجود خصوصية للمرأة في مكان مزدحم بالرجال، مما يؤدي بها في بعض الأحيان لترك العمل. وتشيرد. الجارودي إلى أن العمل عموماً سواء في القطاع الخاص أو الحكومي يتطلب من الشخص العامل أن يكون واعياً لما عليه القيام به وكيفية أدائه دون أن يكون للأهواء الشخصية تدخل في سير العمل.
حقوق العاملات
ومن جهتها تؤكد الأستاذة الدريبي أنه في الغالب لا تعي كثير من العاملات حقوقهن،ومن المفترض أن تكون الموظفة على اطلاع تام بنظام العمل والعمال واللائحة الداخلية للمنشأة التي تعمل بها فيما يخص علاقة المنشأة بالموظف وحقوقه وواجباته، وتضيف: للأسف فإن جهل الموظفة بحقوقها يوقعها في مشاكل بسبب مخالفات لم تتنبه لها أو هضم حقوقها بسبب جهلها بالأنظمة.
التوعية الحقوقية
وتشير الأستاذة عبير الدريبي أن التوعية الحقوقية للمرأة مسؤولية مشتركة بين الموظفين والمنشآت والحقوقيين والإعلام والجمعيات والجهات المعنية بالعمل، فعلى الموظفة أن تسعى لتثقيف نفسها والاطلاع على نظام العمل لا سيما ما يخص تشغيل النساء وكل ما يستجد من أنظمة وقرارات على موقع وزارة العمل على شبكة الانترنت. وتضيف: على المنشآت مسئولية كبيرة في تثقيف موظفيها حقوقياً ولكن للأسف الواقع يقول عكس ذلك حيث لاتقوم بعض المنشأت الخاصة بهذا الدور بل قد تسعى أن يبقى الموظف جاهلا بحقوقه. كذلك تقع المسئولية على الحقوقيين والمؤسسات المختصة في القانون من خلال دورات تدريبية لشرح مواد نظام العمل وحقوق الموظف وواجباته.
المسؤولية مشتركة
وتوافقها الرأي الدكتورة ماجدة الجارودي في عدم وجود الوعي الكافي لدى المرأة العاملة بحقوقها مما يؤدي إلى ضياعها، حيث تعتبر الجارودي أن مسؤولية ضياع الحقوق مشتركة بين طرفي العقد (الموظفة، وجهة العمل). وتقترح أن يقدم للموظفة الوصف الوظيفي الواضح لمهام ومسؤوليات وظيفتها وارتباطها التنظيمي وعلاقات السلطة والمسئولية. بالإضافة إلى ضرورة أن يقدم لها عقد العمل بفترة كافية لدراسته واتخاذ قرار بشأن الموافقة من عدمها. ولا ننسى دور وزارة العمل في إقامة دورات وورش عمل تتناول شرح أنظمة ولوائح العمل الخاصة بالقطاع الخاص، وإعداد نشرات وكتيبات توعوية توزع من قبلها للعاملين بالقطاع الخاص.
الاجراءات القانونية
وعن الإجراءات القانونية التي ينبغي على الموظفة اتباعها في حال تعرضها لظلم تقول الأستاذة عبير الدريبي: حددت قوانين العمل إجراءات الخلافات بين الموظف وصاحب العمل حيث من المفترض أن تسعى الموظفة إلى حل مشاكل العمل بالتوجه لرئيسها المباشر ثم تتدرج في الشكوى، فإن لم تجد إنصافا داخل المنشأة كان لها حق التوجه لتقديم دعوى لدى مكتب العمل لتنظراللجنة الابتدائية لتسوية الخلافات العمالية في دعواها. ونبهت الدريبي إلى أن على الموظفة أن تتعجل برفع دعوى التظلم خشية أن تسقط الدعوى بالتقادم.
وتطرح الأستاذة رقية آل عبد الله عددا من المقترحات لرفع نسبة مساهمة المرأة في القطاع الخاص مثل وجوب حصر احتياجات سوق العمل والتخصصات المطلوبة ومواءمة مخرجات التعليم معها وتحسين بيئة العمل والشروط المتعلقة بعمل المرأة. بالإضافة إلى محاكاة تجارب ونماذج ناجحة بالنسبة لعمل المرأة في الداخل وفي الدول العربية والإسلامية لتوسيع مجالات عمل المرأة. وكذلك ابتكار أساليب وفرص عمل جديدة وخلاقة, مع ضرورة زيادة توعية المجتمع بأهمية عمل المرأة ورفع ثقافة الاستثمار لدى النساء السعوديات وتشجيعهن على إقامة المشاريع التجارية والاستثمارية التي تسهم في خلق فرص العمل للمرأة. وتشير الدريبي إلى أهمية العمل على تدريب وتأهيل الكوادر النسائية في الجوانب المهنية والفنية لضمان أداء عملها بكفاءة وفاعلية......