الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اما بعد فهذه خطبة مختصرة ليوم غد الجمعة لعل احد من اعضاء المنتدى ان يستفسد منها. 9/1/1434هـ بسم الله الرحمن الرحيم الموضوع: الهجرة النبوية وصيام عاشوراء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى. عباد الله: بعدما أرسل الله -عز وجل- نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى الناس جميعًا، مكث صلى الله عليه وسلم يدعو أهل مكة إلى عبادة الله -عز وجل- وحده لا شريك له، إلا أنهم كذبوه وحاصروه، ولقي منهم أشد الإيذاء هو ومن آمن معه، وعندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لقي المسلمون من فتنة في دينهم، أذن لهم بالهجرة إلى المدينة، وقال لهم: "إن الله جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها"، فهاجروا ابتغاء مرضاة الله تاركين ديارهم وأموالهم وأولادهم، واستقبلهم الأنصار بالمدينة، ولقوا فيها أهلاً بأهل، وجيرانًا بجيران، وكان بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد هاجروا قبل ذلك إلى الحبشة فرارًا بدينهم، لِما لقوا من قريش من أذى وتنكيل، ولما رأى أشراف قريش هجرة المسلمين إلى المدينة اجتمعوا في دار الندوة ليتداولوا الرأي في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي جاوز أمره مكة وظهر في المدينة ، وامتد إلى غيرها من البلدان، ورأوا ألا مخرج لهم إلا بقتله-صلى الله عليه وسلم-، وذلك بأن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا، ثم يعطى كل منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمد هؤلاء إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه ويستريحوا منه، فيتفرق دمه بين القبائل، ولا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، ثم يرضوا من قريش بالفعل -أي بالمال- فيعطونهم المال، فاستراحوا لهذا الرأي وتفرقوا على ذلك، وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة استأذن أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- رسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول له: لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبًا، فيطمئن أبو بكر ويود لو يكون رسول -صلى الله عليه وسلم- صاحبه في هجرته، وإذن الله لرسوله-صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة المنورة بصحبة الصديق رضي الله عنه، وكان أهل المدينة ينتظرونهما بفارغ الصبر، ويخرجون إلى خارج البلد كل يوم منذ أن علموا بخروجه صلى الله عليه وسلم- من مكة، ولا يعودون إلى منازلهم حتى تغلبهم الشمس على الظلال، وفي يوم بعد أن تعبوا جاءهم خبر وصول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، فخرجوا إليه مهرولين مستقبلين، فأحلوه في قلوبهم، وأحاطوه بنفوسهم، ونزل على بني عمرو بن عوف وأقام فيهم أيامًا، وأسّس المسجد بقباء أول مسجد أسسه -صلى الله عليه وسلم- في الإسلام في المدينة، ثم خرج بناقته وتركها تسير وهو يقول لأصحابه من المهاجرين والأنصار: "خلوا سبيلها؛ فإنها مأمورة"، ومازالت تسير حتى أتت دار مالك بن النجار فبركت في موقع مسجده -صلى الله عليه وسلم- حاليًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ها هنا المنزل إن شاء الله"، فجاور أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-، وآخى -صلى الله عليه وسلم- بين الأنصار والمهاجرين وجمعهم على المحبة الواضحة والصراط المستقيم، ثم بدأ-صلى الله عليه وسلم- يستأنف الدعوة إلى الله بعزم جديد، حتى بلغ الإسلام مبلغه، ودخل الناس في الإسلام أفواجا، وقويت شوكة المسلمين . نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة خاتم رسله، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على فضله وإحسانه..... عباد الله: في الوقت الذي يذكّرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وهي بداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام، نجد كذلك فيه يومًا مباركا نجّى الله فيه نبيه موسى -عليه الصلاة والسلام- ومن معه من المؤمنين وأغرق فيه فرعون وحزبه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟!"، فقالوا: هذا يوم عظيم نجّى الله فيه موسى وقومه، واغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا فنحن نصومه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم". فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه. رواه البخاري ومسلم، وجاء في فضل صيامه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية". رواه مسلم. قال البيهقي: "وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفرها، فإن صادف صومه وقد كفرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته". أيها المسلمون: يوم عاشوراء مناسبة للذكر والشكر وسبب من أسباب التأمل في قصص القرآن وزيادة الإيمان، وليس كما يفعله مجوس هذه الأمة من ضلالات وخرافات قائمة على البدع والأوهام والممارسات الخاطئة من لطم الخدود وخدش الوجوه والبكاء والعويل، وإسالة الدماء واختلاط الرجال والنساء وعمل الفواحش، قال ابن رجب عن يوم عاشوراء: "وأما اتخاذه مأتمًا كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- فيه، فهو من عمل مَنْ ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟!". إننا لا ننازع في فضل الحسين -رضي الله عنه- ومناقبه، فهو من علماء الصحابة ومن سادات المسلمين في الدنيا والآخرة، الذين عرفوا بالعبادة والشجاعة والسخاء، وهو ابن بنت قدوتنا وحبيبنا أشرف الخلق -صلى الله عليه وسلم-، والتي هي أفضل بناته، وما وقع من قتله فأمر منكر شنيع يحزن كل مسلم، وقد انتقم الله -عز وجل- من قتلته، فأهانهم في الدنيا وجعلهم عبرة، ولا ننازع في محبته ومحبة آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونشهد الله على حبهم وموالاتهم، بل ونصلي عليهم في صلواتنا، كيف لا وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا؟ لكن الذي ينبغي عند ذكر مصيبة الحسين وأمثالها هو الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وأنه تعالى يختار لعبده ما هو خير، ثم احتساب أجرها عند الله تعالى، وليس اتخاذ المآتم من هدي دين الإسلام، بل هو أشبه بفعل أهل الجاهلية.والملاحظ أن مآتم مجوس هذه الأمة في عاشوراء لم ترتبط بأصل إسلامي من قريب أو بعيد؛ إذ لا علاقة لها بنجاة موسى -عليه السلام- ولا بصيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل الواقع أنهم حولوا المناسبة إلى اتجاه آخر، وهذا من جنس تبديل دين الله -عز وجل-.إننا -نحن المسلمين- نحمد الله أن هدانا للصراط المستقيم ووفقنا للمنهج القويم ولاتباع النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فيوم عاشوراء يوم عز ونصر وفرح وبشر؛ لأنه يوم تدفعنا مآثره إلى استشعار العزة والشعور بالأمل والترقب للنصر،.................................