حقق باراك اوباما فوزا كاسحا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليصبح الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية واول رئيس أسود في تاريخ البلاد. وقال الرئيس الأمريكي الجديد في أول كلمة له بعد إعلان فوزه "بسبب ما قمنا به التغيير جاء إلى أمريكا". وأضاف الرئيس الأمريكي أمام احتفال لأنصاره في معقله مدينة شيكاغو بولاية إلينوي إن "من وقفوا بالساعات للإدلاء بأصواتهم ربما لأول مرة لأنهم آمنوا بأن أصواتهم ستحدث فرقا".
يشار إلى أن أوباما هوثالث رئيس من الحزب الديمقراطي خلال ثلاثة عقود بعد جيمي كارتر وبيل كلينتون. وخاض أوباما واحدة من أطول وأشرس الحملات في تاريخ الانتخابات حيث انتزع ترشيح حزبه بعد منافسة شرسة مع هيلاري كلينتون ثم نافس ماكين حتى الساعات الأخيرة. وأوباما أيضا هو أول عضو بالكونجرس يصل إلى الرئاسة منذ عهد الرئيس جون كينيدي. ووصل أوباما إلى البيت الأبيض تحت شعار التغيير وجاب أرجاء البلاد مدافعا عن أفكارة وبرامجه للإصلاح الاقتصادي.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض إن الرئيس بوش وعد بأن تكون عملية نقل السلطة "سهلة ويسيرة". واقتبست عن بوش قوله لأوباما: "أيها الرئيس المنتخب، مبروك.. يا لها من ليلة رائعة لك ولأسرتك ولمؤيديك". وقال بوش لأوباما إنه كان على وشك أن يبدأ مشواراً عظيماً في حياته ودعاه لزيارته في البيت الأبيض في أسرع وقت يمكن ترتيبه لذلك. ومن المتوقع أن يتصل بوش بجون ماكين في وقت لاحق أيضاً، وفقاً لما ذكرته بيرينو.
كذلك أقر ماكين بهزيمته بالانتخابات، وهنأ أوباما بفوزه فيها، وقال إن "الشعب الأمريكي قال كلمته، وقالها بوضوح". وقال ماكين إنه اتصل بباراك أوباما بعد الحادية عشرة ليل الثلاثاء، أي بعد إغلاق صناديق الاقتراع، وبارك له فوزه بالانتخابات. وأضاف ماكين أن "السيناتور أوباما حقق شيئاً عظيماً لنفسه ولبلده" ووصفه بأنه "رجل رائع".
وكشفت أحدث استطلاعات للرأي أن أوباما حصل على أصوات معظم الأقليات العرقية في الولايات المتحدة. فقد حصل على أصوات 96 في المائة من الأمريكيين من أصول أفريقية، و67 في المائة من أصوات اللاتينيين و63 في المائة من أصوات الآسيويين، بحسب الاستطلاعات. كذلك حصل على أصوات المسيحيين الكاثوليك واليهود، فيما ذهبت أصوات البروتستنت إلى ماكين.
فقد صوت 53 في المائة من البروتستنت لماكين، مقابل 45 في المائة لأوباما، بينما صوت 53 من الكاثوليك للمرشح الديمقراطي و45 في المائة منهم للمرشح الجمهوري. أما اليهود، ويشكلون 2 في المائة من الناخبين، فقد صوت 78 في المائة منهم لأوباما مقابل 21 في المائة لماكين.
أوباما: أمريكي أسود يصنع التاريخ
وكتبت واشنطن بوست على صفحتها الأولى قبل يومين مقالا بعنوان "رئيس أسود" وقالت: كان من المستحيل أن تأتي هاتان الكلمتان في جملة واحدة أو سياق واحد في بلد واحد دون أن تتبعهما علامة الاستفهام، (إذ كيف يكون الرئيس الأمريكي أسود )؟. لكن ذلك المستحيل أصبح ممكنا.
حضور أوباما القوي يبعث موجة كهربائية في الجسد الأمريكي، وكأنه يفاجئ أمريكا ببساطته وأحلامه، معيدا إليها صورة هي مزيج من الواقعية و الرومانسية عما يمكن أن يحققه ابن مهاجر أفريقي في بلد تصف نفسها بأنها أرض الأحلام وأرض الفرص. وهو حضور يؤكد أن صورة أمريكا في تعاملها مع الأعراق المختلفة في تطور متواصل، بدءا من استعباد السود والتمييز ضدهم مرورا بحركة الحقوق المدنية والبرامج التمييزية لصالحهم، ووصولا بسعي أمريكي أسود للحصول على أعلى منصب في الدولة، وهو تطور لم تحققه أي ديمقراطية غربية أخرى. لكنه يضع في الوقت ذاته التجربة الأمريكية على المحك بمن معه وبمن ضده.
يقول عن نفسه إنه نتاج موجة الغضب التي عاشتها أمريكا إبان الستينات، عندما خرج جيل شاب متحديا كل المؤسسات والأسس العتيقة والحرب على فيتنام، وقتها تزوج طالب كيني مسلم يدرس في هاواي من أمريكية بيضاء قادمة من كنساس وأنجبا أوباما الذي يصف والدته بأنها "كانت مخلصة لقيمها الليبرالية ولم تغيرها حتى رحيلها".
عاد والده حسين أوباما إلى كينيا وانفصل عن والدته آن التي تزوجت مسلما إندونيسيا وانتقلت للحياة معه إلى إندونيسيا حيث قضى أوباما هناك أربع سنوات من طفولته، قبل أن يعود ليعيش مع جديه في هاواي.
تصفه النيويورك تايمز (مدحا أو قدحا) بأنه نتاج "الأوفشور" - أو الأراضي البعيدة عن المركز- لأن والدته نقلته إلى إندونيسيا طفلا ليعيش في بلد مسلم ومع زوج أمه المسلم، ولأنه تربى في هاواي الجزيرة البعيدة عن أرض قلب أمريكا، لكن ربما موقعه البعيد هو ما سمح له برؤية أمريكا بشكل أوضح، تقول الصحيفة.
أصدر كتابا عن سيرته الذاتية وعمره 33 عاما ثم أصدر كتابه الثاني "جرأة الأمل" بعدها بأحد عشر عاما وحقق الكتابان مبيعات قياسية على قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا.
شعاره الأبرز في حملته الانتخابية "حان أوان التغيير"، يتمسك بليبراليته على الطريقة الأمريكية، التي لا تمنعه من حضور القداس والمشاركة في الأنشطة الكنسية، لكنه أيضا لا يخجل من ماضيه، إذ أقر بتعاطي الماريجوانا وقال إنه استنشق دخانها، على عكس ما قاله كلينتون (أحد ابناء جيل الغضب) الذي قال إنه دخن الماريجوانا ولم يستنشقها.
يضع ليبراليته في مواجهة جيل الستينات الذي حولوا مواقفهم فصاروا محافظين جددا أو ليبراليين بشروط مثل هيلاري كلينتون أو زوجها الرئيس السابق. فهو يؤمن بدور رئيسي للدولة في حماية الفئات الضعيفة وبزيادة الضرائب على الشركات الكبرى وبتقنين وول ستريت وتوفيرالرعاية الصحية للأمريكيين.
يطالب بضرورة الانسحاب من العراق واتباع سياسة الحوار بين أمريكا وخصومها وبدون شروط مسبقة، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط يؤكد التزامه المطلق بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي، ملمحا في الوقت نفسه إلى أن السلام من مصلحة إسرائيل.