كشف تقرير اقتصادي صدر حديثا عن أن معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة الشرق الأوسط؛ منذ عام 2003 وإلى اليوم، اتجهت إلى «الثلاثي» الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات وقطر. وأوضح التقرير أن السعودية استقطبت الحصة الكبرى من تلك الاستثمارات لعام 2011، حيث بلغ عدد المشاريع التي استقطبتها 161 مشروعا بقيمة 7.14 مليار دولار. وأظهرت البيانات الأولية عن عام 2012، أن الثلاثي الخليجي واصل استقطاب أكبر عدد من المشاريع الاستثمارية، حيث تفوقت الإمارات على السعودية في استقطاب تلك المشاريع من حيث العدد والقيمة، بينما شهدت مصر عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها. وأبان تقرير شركة «إرنست ويونغ»، الصادر بالتزامن مع «قمة آفاق جديدة للنمو 2012» التي تستضيفها الدوحة تحت عنوان «استبيان الجاذبية الاستثمارية للشرق الأوسط»، تحليلا مفصلا حول تطور تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول المنطقة خلال العقد المنصرم. وذكر التقرير أن العدد السنوي لمشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة، ارتفع من 362 مشروعا في عام 2003 إلى رقم قياسي بلغ 1070 مشروعا في عام 2008، لكن عدد تلك المشاريع انخفض خلال عامي 2009 و2010مع تراجع الاقتصاد العالمي والإقليمي، قبل أن يعاود الارتفاع بنسبة 8 في المائة ليبلغ 928 مشروعا في عام 2011. في المقابل، ظلت قيمة تلك الاستثمارات منخفضة في عام 2011 مقارنة بعام 2008، على الرغم من أنها شهدت انتعاشا متواضعا عام 2010، بينما شهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2012 تطورات مماثلة، حيث استقر عدد المشاريع وقيمة الاستثمارات أو انخفض عن مستويات الفترة نفسها من عام 2011. وأكد التقرير أن اقتصادات دول المنطقة لا تزال حافلة بالكثير من الإيجابيات بالنسبة لآفاق الاستثمار طويل الأمد. وفي سياق تعليقه على هذه التطورات، قال جاي نيبي، رئيس الأسواق في منطقة أوروبا والشرق الأوسط والهند وأفريقيا في «إرنست ويونغ»: «تتمتع أسواق الشرق الأوسط بالكثير من المزايا التي تسعى وراءها الشركات في وجهات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مثل الأسس القوية والنمو السكاني الجيد ووفرة الموارد الطبيعية». ووفق التقرير فإن معظم الاستثمارات التي شهدتها أسواق الشرق الأوسط منذ عام 2003، تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة 79 في المائة منها، بواقع 62 في المائة من حيث القيمة، و65 في المائة من فرص العمل التي أدت إلى استحداثها، في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، بينما تصدرت مصر الدول غير الخليجية في استقطاب تلك الاستثمارات بواقع 16 في المائة. وفي السياق ذاته، قال فل غاندير، رئيس خدمات استشارات الصفقات في «إرنست ويونغ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»: «نجحت دول الثلاثي الخليجي في رسم صورة إيجابية عنها في أذهان المستثمرين واستقطاب حصة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الفعلية». وعلى الرغم من أن أوروبا الغربية وأميركا الشمالية شكلتا تاريخيا المصدر الأكبر للتدفقات الاستثمارية إلى أسواق الشرق الأوسط من حيث العدد، بواقع 59 في المائة من المشاريع بين عامي 2003 و2011، فقد تركزت قيمة الاستثمارات بصورة متزايدة على الاستثمارات البينية الإقليمية. وأشار التقرير إلى أن عدد المشاريع التي أطلقها المستثمرون من منطقة الشرق الأوسط، تجاوز للمرة الأولى عدد المشاريع التي أطلقها المستثمرون من الدول الغربية، وهناك تفاؤل متزايد في أوساط شركات الشرق الأوسط، على صعيد استغلال إمكانيات أسواق منطقتها. لكن هذا لم يمنع المستثمرين في أميركا والمملكة المتحدة وفرنسا، من البقاء في صفوف أكبر خمس دول مصدرة للاستثمارات إلى أسواق المنطقة في عام 2011، حيث بلغ عدد المشاريع التي استثمرت فيها 180 و100 و61 مشروعا على التوالي. وكانت الهند من بين تلك الدول الخمس، حيث استثمرت في 76 مشروعا، بزيادة نسبتها 12 في المائة عن العام الذي سبقه، وفي الوقت الذي اشتهرت فيه دول المنطقة بضخامة مواردها الطبيعية، حيث استخدمت دول مجلس التعاون الخليجي فوائض عائداتها من تلك الموارد في تنويع مواردها الاقتصادية. وعززت تلك الدول تنويع موارد القطاعات التي تستقطب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أسواق الشرق الأوسط خلال النصف الأول من عام 2012، حيث أصبحت قطاعات تجارة التجزئة والمنتجات الاستهلاكية وخدمات الأعمال والعقارات والضيافة والإنشاءات، تشكل الخيارات المفضلة للمستثمرين. وتصدر قطاعا تجارة التجزئة والمنتجات الاستهلاكية الساحة، حيث استقطبا أكثر من 20 في المائة من المشاريع الاستثمارية خلال النصف الأول من عام 2012، مستفيدين من قاعدة المستهلكين الذين يتمتعون بقوة شرائية عالية ويزداد عددهم باستمرار. وشهد القطاع العقاري انتعاشا خلال عام 2012، حيث استقطب أكبر حصة من الاستثمارات الرأسمالية، فيما يراهن المستثمرون على المشاريع الإنشائية الضخمة التي سيشهدها الشرق الأوسط قبيل انطلاق بعض الفعاليات الضخمة التي سيستقبلها، مثل استضافة قطر لبطولة «فيفا» كأس العالم لكرة القدم عام 2022، مما يجعل آفاق قطاع البنية التحتية يبدو واعدا. وعلى صعيد آخر، فإنه تزداد جاذبية قطاع خدمات الأعمال باستمرار في أوساط المستثمرين، حيث حل في المرتبة الثانية من حيث عدد المشاريع 16 في المائة من الإجمالي، والثالثة من حيث القيمة، ويستمد هذا القطاع قوته من وجود المناطق الحرة. ويؤكد المستثمرون من قادة الأعمال أن قطاعي التعليم وتنمية المهارات يمثلان 27 في المائة، ويتصدران أولويات اعتباراتهم الاستثمارية، يليهما تزايد الاستقرار السياسي والاستثمار في المشاريع الكبرى للبنى التحتية وتطوير المدن بـ24 في المائة، ومشاريع دعم الصناعات المتقدمة تقنيا والابتكار بـ22 في المائة. ووفق غاندير، فإن قطاع الطاقة سوف يشكل القوة الدافعة الرئيسية لنمو تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أسواق الشرق الأوسط خلال العامين المقبلين، إلا أن تقدير حجم تلك التدفقات يتفاوت بشكل واضح بين المستثمرين العاملين بالفعل في المنطقة وغير الموجودين فيها. وبينما يرى 40 في المائة من المستثمرين غير العاملين في المنطقة، أن الطاقة تشكل القطاع الرئيسي في اقتصادات المنطقة، فإن 19 في المائة فقط من المستثمرين العاملين بالفعل في المنطقة يؤيدون ذلك، أما المستثمرون المخضرمون، فاعتبروا قطاعي العقارات والإنشاءات القطاعين الواعدين أكثر من غيرهما للمستقبل. وأكدوا أن عددا أكبر من الفرص يبرز أيضا في القطاعين العام والخاص لخدمات الأعمال والعقارات والضيافة والإنشاءات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعلوم الحياة. وأبرز التقرير التفاؤل بمستقبل الجاذبية الاستثمارية للشرق الأوسط على المدى المتوسط، غير أن الخطط الاستثمارية لعدد من الشركات الأجنبية لم تتأثر فقط بعدم وضوح آفاق الاقتصاد العالمي، لكنها تأثرت أيضا بالأحداث التي شهدتها بعض دول الشرق الأوسط مؤخرا. وخلص جاي نيبي إلى القول: «مما لا شك فيه أن ضخامة حجم أسواق الشرق الأوسط والقدرة الشرائية العالية لسكانها وضخامة مشاريع الاستثمار والبنى التحتية فيها ووفرة مواردها الطبيعية، تجعل منها الخيار الطبيعي للمستثمرين الأجانب».