هل كان الإستثمار في ذلك النشاط مغامرة خاطئة؟.
للإجابة على ذلك السؤال هناك عدد من الحقائق الهامة، ستساعد في
فهم طبيعة هذه الصناعة، والعوامل المؤثرة فيها، وذلك قبل الأزمة المالية، وكل ما أضافته الأزمة المالية، هو أنها زادت حدة المشكلة فقط:-
• صناعة البتروكيماويات ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالنمو، والركود
الإقتصادي العالمي، فكلما تح سن وضع الفرد، فهو سيقتني أجهزة
إلكترونية، وألعاباً، ومواد تنظيف أكثر... إلخ، والعكس صحيح في
حالة الركود الإقتصادي.
• ب مراجعة أداء هذه الصناعة على مدى الثلاثين سنة الماضية، نلاحظ
مدى تقلبها، وتذبذبها . حيث بلغت ربحية الطن في عام ١٩٧٩ م،
٢٣٥ دولار، إنخفضت في عام ١٩٨٣ م، إلى ١٠٠ دولار، وإرتفعت
في ١٩٨٩ م، إلى ٣٥٠ دولار، ثم إنخفضت في عام ١٩٩٣ م، إلى
٧٠ دولار، وفي عام ١٩٩٦ م، إرتفعت إلى ١٤٠ دولار، وفي عام
٢٠٠٢ م، إنخفضت إلى ٤٥ دولار، لترتفع في عام ٢٠٠٥ م، إلى
٢٢٠ دولار، وتعود اليوم إلى سعر ٤٥ دولار. وسبب تصرف هذه الصناعة على ذلك النحو، هو لأن النمو الإقتصادي (الطلب)، متدرج في طبيعته، في حين أن الإستثمار في طاقات الإنتاج (العرض)، تتم على دفعات، وذلك يخلق حالتي
فائض، وعجز متبادلتين، وهكذا دواليك.
• حقيقة أخرى تجيب على من يمكن أن ينتقد قرارات الشركات السعودية في الإستثمار في هذا القطاع، هو أن مادة الغاز شحيحة في كل أنحاء العالم، ومن تتاح له فرصة الإستثمار، نتيجة توفر الغاز، ولديه القدرات التمويلية، والإدارية، والتقنية... إلخ، فذلك يمثل فرصة لا تتكرر، لكي يدخل نادي متميز، ستزيد ميزته
التنافسية، نتيجة خروج طاقات غير منافسة، وتحديداً في أمريكا، وأوروبا، واليابان وهنا لا بد من الإستدراك، والتوضيح، بأن خروج تلك الطاقات لن يتم بين ليلة وضحاها، وذلك بسبب مقاومة السياسيين، ورغبتهم في تدبير دعم من حكوماتهم لتلك الصناعة، كسباً للأصوات الإنتخابية، ولكن في عالم اليوم، وفي ظل بلايين
الدولارات المطلوبة للخطط الإنقاذية للقطاع المصرفي، والصناعات
الأخرى... إلخ، نتوقع أن تكون رغبة السياسيين غير قابلة للتحقيق، وستخسر صناعة البتروكيماويات في تلك الدول، لصالح المنتج الأكفأ، بشكل أسرع من أي وقت مضى.
• سؤال آخر هام يطرح نفسه في ظل هذه الظروف، وهو هل تمثل
الأزمة المالية فرصة، للمستثمرين السعوديين، للإستحواذ على أصول خارجية، أو القيام بعمليات إندماج داخلية؟! خارجياً يجوب العالم اليوم مسوقون لعدد كبير من الأصول المعروضة للبيع، ومنها شركات بتروكيماويات، وربما بأسعار مغرية، ولكن عملية إدارة تلك الأصول، بعد شرائها، وبكفائة، تصبح عقبة يجب أن يفكر فيها
بعمق، ولا يجب أن يف سر نجاحنا في بيئتنا المحلية، على أننا قادرون
على العمل في أي مكان آخر!! أما عملية الإندماج المحتملة داخل
المملكة، فعادة ما تتحقق الفائدة من الإندماجات، أما إذا كانت ستتحقق وفورات في تكاليف التشغيل، أو إذا كانت ستفرج عن أصول غير مستغلة يمكن بيعها، والإستفادة من قيمتها . وفي حال صناعة البتروكيماويات السعودية، فهي قد أنشئت حديثاً، وبطريقة علمية، بحيث لا يفترض أن بها فرص توفير تبرر الإندماجات، أو
أصول غير مستغلة، وذات قيمة.
كخلاصة، لا أريد أن أترك إنطباعاً خاطئاً بالمبالغة في التفاؤل، فالظروف صعبة، ولكن قرارات إستثمارنا السعودي في مجال البتروكيماويات، كإستثمار طويل الأجل، وخصوصاً في الصناعات الأساسية، ليس خطأً، بل هو ضربة إستباقية ناجحة، ستؤتي ثمارها، وإن بعد حين، حسبما يبين ذلك الجدول أعلاه، ومثلما حدث في الأعوام
٢٠٠2 م – ٢٠٠٨ م)، والتي مثلت عصراً ذهبياً لهذه الصناعة، من حيث )
ال المحققة.