إن حياتنا بدت مليئة بالسيئات التي تعددت مصادرها تعددا غريبا حتى بدت مفروضة على الإنسان ، جنبكم اللـه ـ تعالى ـ وإيانا هزات الشيطان وارتكاب السيئات ما ظهر منها وما بطن .
وددت في هذا الموضع أن أشير إلى الفرق بين الروح والنفس * لأن كثيرا منا لا يفرق بين الروح والنفس ، أي شخص منا يتلمس فرقا بينهما ، لكنه لا يستطيع أن يترجم هذا الفرق في ألفاظ ، فنجد أن العيون تبدأ في التنقل ، والحيرة تظهر على الوجوه .
لست واعظا دينيا ، ولست على قدر كبير من التدين ، لكني أحس أن بدواخلي أشياء ، أفرغها على ورق كالمجنون أحيانا ، وكالعاقل أحايين أخرى ، وأقتدي ـ هنا ـ بما قاله الشيخ الجليل محمد الكندي ـ يرحمه اللـه ـ في زمن غابر في القدم متأثرا بنزعة الإسلام ـ وهو منه ـ عل اللـه ينفعنا بما نفعه بعد أن نهييء أنفسنا لذلك :
قال محمد الكندي ـ رحمه اللـه جل وعز ـ وهو من باب الحكم ، والإيثار على النفس وملازمة الحق :
" إذا احترت في أمرين أيهما يفيدك ؟ ، فوازن بينهما ، واختر ما هو قريب إلى نفسك وقلبك ، فخالفه ، فإن الحق في مخالفة الهوى " .
ورد لفظ نفس ـ هنا ـ وقلب ، أي أن النفس والقلب بينهما صفات متماثلة متشابهة ، كما أن بينهما فرقا ، ومن هذه الصفات المتماثلة المتشابهة التقلب ، فهي مبنية على العاطفة * ومن هنا وصفت في القرآن الكريم بأنها أمارة بالسوء ، قال تعالى : " وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء " ، وقد جاء لفظ : ( أمارة ) على هيأة صيغة مبالغة ، وصيغة المبالغة تفيد التكثير والمبالغة ( التكثير علن طريق التضعيف الموجود في اللفظ هنا ) ، والمبالغة * لأن العرب استعملت هذا اللفظ للدلالة على الكثرة * ولأن النفس كثيرا ما تأمر صاحبها بارتكاب المعاصي والفواحش والمحرمات ، ومن هنا نفترق : ( النفس ) عن : ( الروح ) ، وحين يسأل أحدنا عن حد : ( الروح ) أو : ( النفس ) ، يجيب إجابة قرآنية محضة * ولذلك حين يموت شخص يقال : ( انتقلت روحه الطاهرة ) ولا يقال : ( انتقلت نفسه الطاهرة ) * لأن النفس لا تمثل طهارة ، لأنها ليس من أمر ربي ، والروح طاهرة * لأنها من أمر ربي .
إذا كانت الروح ليس من أمر ربي فكيف صارت ؟؟؟؟ سؤال يفرض نفسه فرضا كاملا ، وإجابته ـ بإذن اللـه ـ : أن النفس كانت طاهرة مثلها مثل الروح ، وكان كلتاهما في عالم الفضيلة ( العالم المثال ) ، بيد أن النفس ارتكبت معصية تجاه الخالق ، فـ : ( عوقبت ) بإنزالها إلى عالم الرذيلة ( الأرض ) فبدأت قصة الخلق ، أي أن هناك عالم الفضيلة ( العالم الإلهي ) وتمثله الروح ، وهناك عالم الرذيلة ( عالم الأرض ) وتمثله النفس ، ومن هنا ينتقل ما هو طاهر إلى أصله ، ويبقى في عالم الرذيلة ما هو خال من الفضيلة في غالبه الأعم * ولذلك وصفت النفس بأنها أمارة بالسوء ، ولم توصف الروح بذلك .