نعم، من أنتم أيها الفاسدون؟.. كل يوم تعيثون في الوطن فساداً، ابتداء بسيول جدة وانتهاء بارتفاع أسعار الدواجن اليوم، وكل يوم يمر علينا تخرج علينا فضيحة جديدة من فضائح سرقة المال العام والخاص، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة دون حسيب أو رقيب.
إن كل يوم يمر علينا نعيش فيه حياة بائسة، بالرغم من أن ولي الأمر يأمر بإصلاحات وعطايا، وفي كل يوم يناديكم بإصلاح حال المواطن، ومع أن الميزانيات تضخ بالمليارات في شرايين الوزارات، إلا أننا لا نجد شيئاً على أرض الواقع يطابق ما فيتم التصريح به في الصحف ووسائل الإعلام المحلية.
يولد الشاب فقيراً، وتولد الأمة عاجزة، في بلدنا الذي تُقدَّر خيراته بالتريليونات، أي لم تعد تحسب ميزانياتنا السنوية بمئات المليارات بل أصبحت تُحسب بألف مليار من الريالات بل تزيد.. نعم، بل تزيد.
التعليم لدينا مجرد فقاعات من "بابا خالد وماما ناهد"، وحتى الحمار الذي يدرس الجحش على غلاف كتاب المرحلة الابتدائية، ويطبع كتاب الفقه ويُسحب لوجود أخطاء؛ وتعاد طباعته بأموال جديدة، وما خفي كان أعظم في المناقصات التي لم نعلم عن إعلانها.
الشباب اليوم يتخرجون من الجامعات ومصيرهم إلى الشارع ومعاناة البطالة، وإن حصل أحدهم على وظيفة فهو يقبع في القهر الأزلي حتى يموت؛ فقيمة إيجار الشقة 25.000 ريال، والزواج بالدَّيْن 100.000 ريال؛ هذا إن تنازل أهل الزوجة عن الكثير من الأمور التي أصبحت ضرورية في مناسبات الزواج السعودية مع الأسف، والراتب لو كثر خمسة آلاف ريال، نصفها تماماً يذهب في إيجار الشقة وفواتير الماء والكهرباء والهاتف والإنترنت.
وبعد كل هذه المعاناة للشاب يتقدم إلى صندوق التنمية العقارية ليحصل على القرض بعد عشر سنوات إن حالفه الحظ، والقرض نصف مليون يحتاج إلى أرض لا تقل عن 300 ألف ريال، يا لها من حياة بائسة حياة ذلك الشاب وتلك الزوجة المسكينة التي لا تزال متعلقة بحافز المذل، حتى بعد أن تستفيد منه يجب عليها التحديث مقابل 15 ريالاً برسالة نصية في كل مرة تحدِّث فيها تلك البيانات، التي من أهمها إفشاء سر الدخل الجديد إن وُجد لها دخل. ولكن تلك المطالبات بالتحديث ما هي إلا استثمار لما يسمى بالرسائل القصيرة، ولصالح من يذهب ذلك الاستثمار؟ ويا لها من ابتكارات عظيمة عندما يقوم المسؤولون بتحويل عطايا وهبات ولي الأمر إلى استثمار شخصي أو بيني وبين من يشد لي وأقطع له، ولكن عندما يختص الأمر بالتجار وأصحاب النفوذ فحدِّث ولا حرج؛ فمن يمس مالهم ولو بريال واحد تقوم الدنيا ولا تقعد، حتى في مجلس الشورى الذي رفض الزكاة على الأراضي البيضاء بحجة أنها "حرام ولا تجوز"، أما ما يحدث للمواطن الغلبان فإنه حلال، لا شيء فيه، بل لا بد أن يخصم من ظهره آخر ريال استلمه من راتبه الذي أخذه من عرقه حتى يكون كالعامل في الجاهلية، يعمل لأكله وشربه.
وعندما يتعلق الأمر بالاستثمار الأجنبي والتأشيرات فحدِّث ولا حرج؛ فالمستثمر الأجنبي ما هو إلا موظف تم التستر عليه نظامياً من أحد تجار التأشيرات؛ ليذهب بكل بساطة لهيئة الاستثمار ويستخرج التأشيرات التي يريدها، وبالنظام.
يطل علينا بطل من أبطال المسؤولين فيقول: لن يستطيع متوسطو الدخل شراء اللحوم لارتفاع الأسعار.. والدواجن ليست بأيدينا.. "ما احنا عارفين طال عمرك" أن أسعار اللحوم من زمان ليست بأيدينا؛ حيث كان السعودي قبل عشر سنوات تقريباً كل أسبوع يشتري "تيس"، ولكن الآن حتى "صخلة" لم يعد قادراً على شرائها في الشهر الواحد؛ فالمتوسط من الضأن قيمته في حدود 1700 ريال، والهزيل في حدود 1200 ريال، ومتوسط الدخل للطبقة المتوسطة فقط 3000 ريال، فلو قام بشراء "خروف" راحت فيها حياته، وخصوصاً إذا كانت عليه أقساط.
الأزمة الحالية هي أن الدجاجة المطبوخة بثلاثين ريالاً، ولنتخيل أن تذهب لمطعم وتقول "عطني دجاج ني"! لا تستبعدون؛ لأن الوضع سيقودنا إلى كبسة الفول إن لم نعلن الفاسدين ونشهِّر بهم.
وهناك خطوة جريئة من شركة الاتصالات السعودية حدثت أخيراً، وهي تحويل مجموعة من المسؤولين فيها للتحقيق في قضايا فساد مالي؛ بسبب التلاعب في الفواتير، ولكن صدقوني، حتى هذه الخطوة أصبحتُ أشك في أنها مجرد تصفية حسابات؛ حتى يتم التخلص من المديرين القدامى الرافضين للاستقالة ومغادرة الشركة، وإن كانت إدارة الاتصالات السعودية صادقة في هذه الخطوة فلتوضح لنا الأسماء ومجريات التحقيق، والأهم هو أن تعيد للناس أموالهم التي نُهبت في الفواتير المضروبة.