في تقرير لمجموعة سيتي جروب تناقلت ملخصه وسائل الإعلام هذا الشهر أن السعودية قد تصبح من الدول المستوردة للنفط بحلول 2030. هذا “التنبؤ” عبارة عن عمليات حسابية أخذت بعين الاعتبار العرض والطلب ونسبة نمو استهلاك الطاقة الكهربائية. البعض لم يأخذ التقرير بجدية والبعض رأى فيه نوعاً من التحذير وآخرون اعتبروه تقريرا مبالغا فيه، لكن الأهم أن هذا التقرير لم يمر مرور الكرام بل حرك موجة تفاعلية. ردود الفعل في شبكات التواصل والمقالات تعكس نوعا من القلق والخوف من المستقبل وفوق ذلك وعي المواطن بأن البترول نعمة قد تزول. والسعودية كبلد بُني اقتصاده على البترول، لم تُعلق، حسب علمي، على التقرير سواء من خلال القنوات الرسمية كتصريح لوزير البترول أو أرامكو أو مناقشة في مجلس الشورى لطلب توضيح الأرقام المنشورة في تقرير سيتي جروب ونسبة الخطأ في التقرير إلا إذا كان هذا التقرير قد دق فعلا ناقوس الخطر وليس هناك ما يمكن نفيه أو توضيحه.
أقل من جيل يفصلنا عن 2030 بغض النظر عن تقرير سيتي جروب، إلا أنه من الطبيعي أن نتساءل عن ماذا نحن فاعلون لأجل مستقبلنا. ففي كل دول العالم هناك أهداف وضعت لضمان توفير الطاقة من وقود وكهرباء. وإذا أخذنا عام 2030 مثلا كهدف لتحقيق خطة ما، فيجب الإسراع في ذلك لأن 2030 لن ينتظر كثيرا حتى يأتي، أي خلال 18 عاما. وفي لقاء جمع الملك عبدالله بالطلبة المبتعثين في الولايات المتحدة عام 2010 ذكر لهم قصة طريفة إذ في احد اجتماعات مجلس الوزراء طلب من الحاضرين: “قولوا الله يطول عمره” فأجاب الحاضرون: “الله يطول عمره، من هو هذا؟” فكان جواب الملك عبدالله: “البترول”. وخلال هذا اللقاء أخبر الطلبة أنه طلب وقف التنقيب عن البترول لحفظه للأجيال القادمة. نعم البترول نعمة قد لا تعوض ومصدر طبيعي قابل للزوال. وقد يكون وقف التنقيب عن البترول احد الحلول لحفظ البترول في أعماق الأرض. لكن يمكننا أن نوفر للأجيال القادمة مستقبلا مزدهرا مع مواصلة التنقيب بمحاولة توفير عدة مصادر للطاقة وذلك بالاستفادة من عائدات البترول. لمن يرى في تحليلي هنا تسطيحاً للموضوع فهو مخطأ. فنحن أمامنا ثروة مهددة بالضياع وهناك من يحاول أن يضارب حول مستقبل هذا المصدر وبالتالي مستقبل منطقة. ومع ذلك لم نرَ أو نسمع عن استراتيجية واضحة أو على الأقل دراسة محلية مع بناء عدة سيناريوهات للمستقبل أو فتح المجال لورش فكرية حول اقتصاد الدولة. فالمواطن والمقيم بحاجة لرسائل تبث في نفسه الطمأنينة حول لقمته وغده. فالأمن النفسي مهم جدا لضمان الأمن الاجتماعي والسياسي. فالملاحظ أن هناك نوعا من القلق والخوف من المستقبل، إضافة إلى أننا في عصر المعلومات، إذ أصبحت المعلومة سلاحا يستخدم سواء للضغط أو التأثير على الآخر والأهم وضع استراتيجيات مبنية على المعطيات المعروفة.
رفع أسعار الوقود والكهرباء؟ إذا افترضنا أن هناك دراسات محلية تؤيد ما ذكر في تقرير سيتي جروب فيمكن تفهم التحفظ على نشرها إذ قد تخلق قلقا اضافيا. لكن هل يعني هذا عدم التفكير في حلول تساعد على ضمان رفاهية الأجيال القادمة. العديد من التقارير تشير إلى أن وقود السيارات والاستهلاك المنزلي لطاقة الكهرباء جدا مرتفعة في السعودية بل أن استهلاك الفرد لهما يتجاوز نظيره في الدول الصناعية. هل هذا الأمر طبيعي؟ من الصعب لوم الأفراد فالأسعار لا تسمح للمستهلك بالتقتير. هل الحل في وقف الدعم الحكومي إذ أن أسعار الوقود والكهرباء منخفضة جدا بسبب هذا الدعم؟ قد يكون هذا هو الجواب الأمثل. لكن في هذه الحالة سيرى البعض في هذا الحل نوعا من الضعف وعدم الإجادة في إدارة الموارد خاصة أنه لا يوجد بديل للسيارة للتنقل في المدن فالمواصلات العامة معدومة. إذا يجب ترتيب الأولويات والاستثمار في القطاع الذي من خلاله يتم تقليل الاعتماد على البترول. ويمكننا أيضا من الاستفادة من تجارب الدول البترولية. فمثلا النرويج ثاني دولة مصدرة للغاز وسادس دول مصدرة للبترول فضلت تصدير معظم الغاز والبترول بدلا من استخدامهما المحلي. ولمن زار النرويج، سيلاحظ حتما مدى ارتفاع اسعار الوقود هناك وسيفكر مرتين قبل استخدام السيارة في تنقلاته. وبالنسبة للكهرباء، 98 بالمائة من الطاقة الكهربائية يتم توليدها عن طريق الطاقة المتجدد وخاصة المحطات الكهرومائية. وأخيرا لا ننسى أننا في عصر العولمة، واقتصادنا مبنى على علاقتنا مع الخارج فبدون تصدير البترول لن نحصل على هذه العائدات العالية. وأحب أن أشير إلى مقال المستشار البترولي محمد الصبان الذي أشار إلى “إصرار العالم الصناعي على ضرورة إزالة جميع أشكال الدعم العالمي المقدم للوقود الأحفوري ـ ومنه النفط والغازـ في حين يستمر ذلك العالم في دعم المصادر الجديدة والمتجددة……. ويحاول متبنُّو هذا الاتجاه استخدام كافة الوسائل، بما في ذلك تضخيم أبعاد عدم التحرك للرأي العام في الدول التي لم تستجب فورًا لإلغاء دعم أسعار الوقود”. ففي اقتصاد مفتوح كالاقتصاد السعودي يجب الأخذ بالاعتبار التوجهات ما يدور حولنا.