تعرّضت تأكيدات وزير الصحة السعودي د. عبدالله الربيعة أمس(الأحد) أمام مجلس الشورى السعودي، والتي قال فيها إن التأمين الصحي للمواطنين مازال بحاجة لدراسة واسعة للوصول لبوليصة شاملة، لانتقادات واسعة من خبراء صحة ومهتمين بالشأن الصحي، مؤكدين أن التأمين الصحي بالطريقة التي يُدرَس بها حالياً لن يرى النور في عهد الوزارة الحالية.
وأكد هؤلاء أن وزارة الصحة مستمرة في تمرير قناعتها التقليدية بالإصرار على البيروقراطية، وأنها بذلك تثبت أنها أشبه بإدارة "طوارئ وليست إدارة إصلاح حقيقي للنظام الصحي".
فيما رأى آخرون أن الوزارة بذلك تؤكد عدم وجود خطة استراتيجية على المدى البعيد أو خطة متوسطة المدى أو حتى خطة قصيرة المدى، وإن وجدت فهي على الورق فقط، بخصوص أسلوب وطريقة التطبيق. تغيير القيادات
وفي هذا الإطار، قال الأكاديمي والكاتب الصحافي المهتم بالسياسات الصحية د. محمد الخازم لـ"العربية.نت" إن "تغيير قيادة وزارة الصحة أدى إلى تأجيل وربما إلغاء تطبيقه على المواطنين لعدم قناعة وزير الصحة الحالي بذلك وإصدار أمر بتأجيله لمدة خمس سنوات".
وأضاف الخازم: "نظام التأمين الصحي وأنا أفضل تسميته بالتأمين الصحي لأن هذا المسمى هو الأصل، كان مخططاً تطبيقه وفق مراحل حتى يصل إلى التطبيق الكامل على كافة المقيمين سواء مواطنين أو أجانب".
وكشف عن كون "التأمين على المواطنين لم يكن مخططاً له أن يقوم المواطن بالتأمين على نفسه بشكل تجاري مباشرة، وإنما كان مخططاً له أن تكون الحكومة هي الوسيط، بدفع أقساط التأمين ضمن خطة إصلاحية مالية شاملة للنظام الصحي تشمل إنشاء صندوق صحي يقوم بشراء الخدمة الصحية وتحويل المستشفيات العامة إلى مستشفيات خاصة أو إدارتها بطريقة تجارية، من ناحية بيعها خدماتها على شركات التأمين وصندوق الخدمة الصحية المقترح وأن تبقى الحكومة تدير المستشفيات التخصصية عبر مؤسسة مستقلة والرعاية الأولية والصحة العامة عبر وزارة الصحة".
إدارة غير ناضجة
واعتبر د. الخازم أن "جميع هذه الخطط أجهضت من قبل وزير الصحة الحالي لأن القناعة لدى قيادة وزارة الصحة الراهنة تكمن في بناء المستشفيات وتقديم الصحة بالطريقة التقليدية عن طريق الحكومة".
وأكد قائلاً: "إصلاح القطاع الصحي يتطلب فكراً إدارياً مالياً اقتصادياً، وهذا لا يتوافر حالياً لدى وزارة الصحة التي يديرها أطباء ليس بمقدورهم التعامل مع هذه الملفات الشائكة".
وشدد د. الخازم على أن "خطة وزارة الصحة الحالية التي قدمها ويروج لها وزير الصحة نلاحظ أنها لا تتطرق لجوانب التمويل وإعادة الهيكلة المالية والتمويلية للخدمات الصحية".
وعن توقعاته أضاف الخازم بقوله: "إذن إجابة السؤال متى يتم تطبيق التأمين على المواطنين؟ هذا لن يتحقق في عهد الإدارة الحالية لوزارة الصحة وإن حدث فسيكون مشوهاً وغير ناضج، فهي أشبه بإدارة طوارئ وليست إدارة إصلاح حقيقي للنظام الصحي".
غياب الرؤية
ومن جهة أخرى، قال أستاذ الإدارة الصحية بمعهد الإدارة العامة د. طلال الأحمدي لـ"العربية.نت": "من وجهة نظري أرى أن العوائق الأساسية لعدم تطبيق النظام ليست مالية وإنما يمكن تلخيصها في عدم وجود رؤية واضحة ومشتركة لمن يملك التطبيق".
وأضاف: "هناك أيضاً جوانب مثل عدم وجود البنية التحتية المناسبة لتطبيقه، والمتمثلة بالخدمات على جميع مستوياتها، وقائية وعلاجية وتأهلية، سواء للقطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وكذلك عدم وجود خطة استراتيجية على المدى البعيد أو خطة متوسطة المدى أو حتى خطة قصيرة المدى"، مؤكداً أنها حتى لو وُجدت لدى وزارة الصحة فهي "على الورق فقط".
وأبدى د. الأحمدي استغرابه ودهشته لعدم قناعة المسؤولين وتخوفهم غير المبرر في البدء بتطبيق النظام وذلك من خلال تأجيل تطبيقه عدة مرات، مؤكداً أنه فيما يتعلق بالشكل المناسب للتطبيق، فإن "هناك العديد من الدول التي سبقتنا في تطبيق التأمين الصحي يمكن الاستفادة من تجاربها في هذا الموضوع".
ومن جهة أخرى، قال الكاتب في صحيفة "عكاظ" خلف الحربي تحت عنوان: "من هنا حتى كندا!": "مع تزايد عدد السكان ظهر مشروع الضمان الصحي للموظفين الحكوميين، ولكن وزير الصحة وقف ضد هذه الفكرة منذ البداية؛ بحجة أنها لم تنجح في كندا، ربما لأن كندا باردة.. الله يسامح كندا!".
وكان عضو الشورى عبدالوهاب آل محثل قد استبق حضور الوزير بقوله: "إلغاء وزير الصحة لقرار التأمين الطبي على موظفي القطاع الحكومي، كان بغرض الحفاظ 120 مليار ريال كانت ستفقدها الوزارة لو طُبق نظام التأمين الصحي على الموظفين الحكوميين".
وأضاف: "من المفارقات أن نحو 11 مليون وافد يتمتعون بالتأمين الطبي، في حين يحرم المواطن من ذلك، عدا عن ضعف الخدمات المقدمة في المراكز الصحية في الكثير من المناطق".
الحاجة لدراسة موسّعة
وكان وزير الصحة د. عبدالله الربيعة قد قال أثناء مثوله أمس أمام مجلس الشورى إن "تطبيق التأمين الطبي على المواطنين ليس سهلاً كالوافدين ويحتاج لدراسة واسعة".
وأضاف أن "التأمين الطبي يعد مصدر تمويل ولا يشكل نوعاً من أنواع تطور الخدمات الطبية، ويحتاج إلى دراسة واسعة تقوم بها الوزارة حالياً من خلال أربع ورش عمل إحداها مع مجلس الشورى".
وأشار إلى أن السؤال الأكبر والأهم هو كيفية توفير نوع التأمين الطبي المناسب للمواطن السعودي من خلال بوليصة التأمين الشاملة، وهذا الأمر يحتاج إلى توضيح ودراسة واسعة".
ولا يتوقف تباين آراء الخبراء، ففيما يتوقع المهندس صبحي بترجي، مدير عام مجموعة مستشفيات السعودي الألماني، أنه في حال الافتراض أن قيمة بوليصة التأمين 1000 ريال ستتاح لنحو 18 مليون مواطن فهذا يعني إنفاق 18 ملياراً على صحة المواطن السعودي بدلاً مما يتم إنفاقه حالياً بنحو 56 مليار ريال على القطاعات الصحية.
غير أن وكيل الوزارة السابق د. عثمان عبدالعزيز الربيعة تساءل أولاً إن كان المواطن السعودي على استعداد للتخلِّي عن مجانية الرعاية الحكومية الشاملة والكاملة مقابل التأمين الصحي الأساسي بقيمة قسط سنوي مقداره 1000 ريال"، مضيفاً: "هو يعلم أنّ هذا القسط يغطي الخدمات الأساسية فقط دون الاستثناءات العديدة التي تتضمّنها وثيقة التأمين".
ويميل د. الربيعة إلى توجّه الصحة الحالي قائلاً: "مثلما قال الوزير في ندوة سابقة إنه عندما تطبق الرعاية الصحية بمفهومها الصحيح سيرتفع مستوى التأمين من 1200 إلى 4000-5000-6000 ريال، أي بحساب بسيط بالضرب في 20 مليون مواطن ستصل إلى 100 مليار ريال. وعند الأخذ بهذا التقدير فإنه يمثل أكثر من ضعف ميزانية وزارة الصحة