عبد الله العلمي
خصصت وزارة التربية والتعليم لهذا العام أكثر من 168 مليار ريال لتنفق على التعليم وتحقيق أهداف العمليتين التعليمية والتربوية في المملكة. ومع انتظام ما يزيد على خمسة ملايين طالب وطالبة على مقاعد الدراسة هذا الأسبوع، ذهبت أبحث عن هذه المليارات لعلي أجد أين وكيف صُرِفَت.
حتى لا أتهم بالمناطقية، بدأت بالرياض العاصمة، حيث قضى مئات الطلاب أول أيام الدراسة خارج جدران مدارسهم الموصدة حتى انتهاء أعمال الترميم. هنا مدرسة ابن خلكان الابتدائية، مبنى مستأجر أثري ومتهالك شهد الدفاع المدني ولجان المباني المدرسية أنه غير صالح للاستخدام، ويهدد حياة الطلاب والمعلمين، كراسيه مكسرة ودورات مياه بلا ماء. في حي الوزارات، عادت طالبات الثانوية 26 المتصدعة إلى بيوتهن لأن مدرستهن ما زالت تحت الصيانة. الثانوية الرابعة للبنات في حي الملز - التي احترقت مرتين – ما زالت تفتقر إلى الصيانة وتعيش 600 طالبة في حالة رعب تحت رحمة أجهزة التكييف المتهالكة والفصول المتسخة. أما المتوسطة 75 للبنات في العريجاء فهي ما زالت مغلقة في أول أيام الدراسة بحجة الترميم. ولا تزال قضية المدرسة الابتدائية 24 للبنات في حي الشفا التي كلفت الدولة 23 مليون ريال، وتم إقفالها تثير التساؤلات. القصيم لم تكن أفضل حالاً؛ طلاب أحد المجمعات التعليمية يدرسون في غرف بلا نوافذ وسط ركام البلاط والحديد والخشب والحجارة، لأن المبنى ''تحت الصيانة''.
تابعت بحثي عن المليارات فذهبت للمدينة المنورة، وما زالت المدارس المتصدعة هناك مغلقة وخاضعة للترميم، وما زالت الكهرباء مغيبة عن مدرسة العريض الابتدائية في حي الدوخيلة وغيرها. طالبات مدرستي الروضة الخامسة عشرة والسادسة حُرِمن الدراسة بسبب عدم وجود معلمات في المدرستين، بينما أعلنت مدارس متكدسة كعلب السردين عن إغلاق التسجيل نهائيا. أما حشرات المدارس فربما تسربت من مركز الكلى بمستشفى الملك فهد بالمدينة أو بتحريض من الجني الشرير.
وبما أن جدة غير، اعتقدت أن المليارات تردد صدى قضية فواتير بقيمة 50 ألف ريال لإفطار إدارة التعليم هناك. أحياء الحمدانية والماجد والصالحية لا توجد فيها مدارس للبنات بكل مراحلها إلا من مدرسة وحيدة ابتدائية صباحاً ومتوسطة عندما يأتي المساء. حي السامر لا توجد فيه مدرسة بنين ابتدائية واحدة، بينما تتكدس البنات كدجاج سوق الغنم في مدرسة قريبة مستأجرة. المدرسة الخامسة المتوسطة والمدرسة 81 الابتدائية تتكدس فيها أكثر من 75 طالبة وعشرات الفئران في الفصل الواحد تحت شدة الحرارة ووطأة الظلام ومن دون مكيفات. لا تسألوا عن ابتدائية عروة بن مسعود فهي ما زالت موصدة الأبواب فى انتظار مِنَح الصيانة. أما في العاصمة المقدسة، ففي بداية العام الدرسي أخلى الدفاع المدني 521 طالبا وطالبة في حادثي حريق منفصلين في روضة النجباء. حتى في الطائف أخليت مدرسة ابتدائية للبنات مستأجرة في شارع الغزالي لوجود هبوط خطر في الجزء الخارجي للمدرسة.
اتجهت للقنفذة لعل وعسى، فوجئت بإخلاء مدرستي خالد بن الوليد المتوسطة وهارون الرشيد الابتدائية بسبب تصدع مبنيهما الحكومي المشترك. أما في حائل، فانقطاعات المياه حرمت طلاب قريتين من الالتحاق بالمدارس في أول يوم دراسي. كذلك حرمت الاختلاسات المالية التي تجاوزت 100 مليون ريال في حائل الطلاب من التعليم والقضية محالة الآن إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
اتجهت جنوباً ربما سقطت الدراهم سهواً هناك. أول البشائر إنذار الدفاع المدني للتربية والتعليم بعدم صلاحية مبنى مدرسة الحسين بن علي في سبت تنومة ومباني مجمع مدارس البنات القديمة والمتهالكة لعدم صلاحيتها لما تشكله من خطورة بالغة على الطلاب والطالبات. بداية غير موفقة. المشاريع التعليمية المتعثرة في محافظة المجاردة لا تُحصى، إضافة إلى التأخير في تنفيذ أعمال الصيانة والانقطاعات في الكهرباء في مدارس محايل وفي مدرسة الحماطة الابتدائية ومتوسطة الحضن للبنات.
أما جازان، فقد تسبب تماس كهربائي في مدرسة الكربوس للبنات في إخلاء وإثارة الهلع في نفوس الطالبات والمعلمات، والنتيجة طبعاً الإخلاء. مدرسة زبارة رشيد المتوسطة بأبي عريش ''تعرش'' على أسقفها أسلاك الكهرباء، ولم يعر تعليم جازان انتباهاً للإنذارات المتعددة من الدفاع المدني لإخلاء مبنى مدرسة الملك فيصل الابتدائية وكأن سقوط الطبقات الأسمنتية من الأسقف والجدران وتآكل الحديد وسوء التمديدات الكهربائية من ضمن المقررات.
بعد أن فقدت الأمل في الجنوب ''شلت قشي'' متجهاً للشرقية. إدارة التعليم حولت بعض المدارس من العمل من الصباح إلى المساء، فالصيانة كانت مغيبة عن هذه المدارس في الإجازة، إضافة إلى تأخر الكتب والمقررات. ما زالت بعض مدارس الشرقية غير مهيأة لاستقبال الطلاب من حيث النظافة والصيانة ودورات المياه مثل المدرسة الابتدائية الرابعة في المبرز، حيث تستخدم 29 معلمة غرفة واحدة لا يوجد فيها إلا مكيف واحد. أما الإخلاءات فقد شملت مدرسة سنابس المتوسطة للبنين في القطيف والمدرسة الثانية الابتدائية في العمران في الأحساء.
من الواضح أن جولتي الطويلة العريضة كانت عبثية، فلم أجد أثراً للمليارات، التي رصدتها الدولة. ما وجدته هو مبان متصدعة تشكل خطراً على حياة الطلاب والطالبات، وتفتقر إلى أبسط وسائل التعليم؛ كراسي خشبية رديئة الصنع وانقطاعات في المياه والكهرباء. لا أثر لخطط استراتيجية ولا ملاعب لممارسة النشاطات. حتى مناهجنا الدراسية في حاجة إلى إعادة ترميم لتحويلها من الحفظ والتلقين إلى الممارسة والتفكير واحترام الذات.
وأخيراً، علمت أن وزارة التعليم وجهت معلمات لمباشرة عملهن فى قرية ''زعبلوتن'' الواقعة في الربع الخالي على الحدود مع عمان. كذلك علمت أن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذه القرية النائية هي طائرات حرس الحدود. وجدتها.. وجدتها.. علي الترحال إلى ''زعبلوتن'' ربما تكون المليارات الضائعة هناك.