نعم هناك مناقشات ومداولات تتناول الميزانيات في مجالس شورى وبرلمانات الدول واللجان المنبثقة عادة عن هيئات تشريعية، لكن المنتدى الذي عقدته وزارة المالية السعودية لمناقشة الموازنة التريليونية العامة، التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لعام 2019، هو بمنزلة خطوة متقدمة جدا تعزز نهج الشفافية الذي تبنته برامج رؤية المملكة 2030 بكل صراحة ووضوح. هذه المبادرة متقدمة بالفعل، لأنها تجمع في الواقع عشرات الوزراء والمسؤولين في القطاع الاقتصادي على وجه الخصوص، طرحوا آراءهم وأفكارهم ورؤاهم حول الميزانية في شكلها المعلن، وتأثيراتها في الأشهر القليلة المقبلة. إنهم في الواقع ناقشوا ميزانية تاريخية لأسباب عديدة، في مقدمتها تحديد أكثر من 1.1 تريليون ريال للإنفاق التقديري في عام 2019، وارتفاع حجم الإنفاق 7 في المائة، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية فيها، وانخفاض العجز، إضافة طبعا إلى عشرات الأسباب الأخرى. لم تكن هناك استثناءات في النقاشات التي جرت في المنتدى المبتكر الجديد، الذي يبدو أنه سيكون بداية لسلسلة من المنتديات المشابهة، تناقش الموازنات الوطنية العامة المقبلة. مع ضرورة الإشارة إلى أن تنوع مشاركة المختصين أسهم في إثراء مناقشات المنتدى، فضلا عن وجود وزراء يحملون حقائب أيضا مختلفة، أضافت مزيدا من القيمة إلى هذه النقاشات التي تستهدف في النهاية الوصول إلى الاستنتاجات الحقيقية للميزانية، وآثار أدواتها في الاقتصاد الوطني في العام المقبل. المحاور كثيرة ومتنوعة واستراتيجية، وفي مقدمتها ما طرح حول تخصيص خمسة قطاعات حكومية خلال الربع الأول من العام المقبل، وهي قطاعات حيوية، إلا أنها ستقدم مزيدا من الخدمات المتطورة فيما لو تم تخصيصها وفق الأسس الموضوعة لها من قبل القيادة العليا. هذه القطاعات هي الصحة والمياه والطاقة والبلديات والتعليم. ومن أهم النقاط أيضا تلك المتعلقة بمشاركة القطاع الخاص في عملية البناء الاقتصادي الوطني وفق "رؤية المملكة 2030"، وبالطبع دور القطاعات غير النفطية في التنمية وإيجاد الأدوات اللازمة لتوفير الحد المطلوب من الإنفاق. هناك مئات الموضوعات التي تناولها المنتدى، وكلها تصب في نجاعة بنود الميزانية التريليونية المشار إليها، وتوفر في الواقع مزيدا من الأفكار للمرحلة المقبلة. تكفي الإشارة هنا إلى أن ما طرح في منتدى الميزانية يمثل بالفعل خريطة طريق جديدة، تدعم الاستراتيجية الراهنة على الساحة الوطنية، وتقدم مزيدا من الرؤى البناءة التي تختص بالمستقبل، كما هي متعلقة بالحاضر. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن "رؤية المملكة 2030" تفتح المجالات والآفاق واسعة أمام أي أفكار جديدة تدعم مسيرة التنمية. ومن هنا كانت ضرورية تلك النقاشات التي جمعت المسؤولين بالمشرفين مباشرة على مشاريع التنمية بالإعلاميين المهتمين بالشؤون الاقتصادية وقضايا "الرؤية". ومن الضروري أن يكون الناتج عن هذا التجمع الفريد بالفعل، عالي الجودة، ويسهم في رسم شكل ال التنموي بشكل عام، وآفاق الميزانيات الوطنية العامة المقبلة على وجه الخصوص. وما لا شك فيه أن المملكة ماضية إلى الأمام في مثل هذه الفعاليات الوطنية، خصوصا مع بلوغ الشفافية والوضوح والصراحة مستويات لا تقف عند حد، ما يعزز تلقائيا المكانة التي تتمتع بها السعودية على الساحتين الإقليمية والعالمية، والسمعة الائتمانية العالية التي احتفظت بها حتى عندما كانت العوائد المالية تتراجع بصورة مقلقة.